للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واشتغال بحكاية الخرافات المبكيات لا المضحكات، وليس مقصودنا هاهنا إلا إرشاد السائل إلى أن المذهب الحق في الصفات هو إمرارها على ظاهرها من دون تأويل ولا تحريف ولا تكلف ولا تعسف ولا جبر ولا تشبيه ولا تعطيل. وإن ذلك هو مذهب السلف الصالح الصحابة والتابعين وتابعيهم.

فإن قلت: وماذا تريد بالتعطيل في مثل هذه العبارات التي تكررها؟ فإن أهل المذاهب الإسلامية يتنزهون عن ذلك ويتحاشون عنه، ولا يصدق معناه، ويوجد مدلوله إلا في طائفة من طوائف الكفار. وهم المنكرون للصانع.

قلت يا هذا إن كنت ممن له إلمام بعلم الكلام الذي اصطلح عليه طوائف من أهل الإسلام. فإنه لا محالة قد رأيت ما يقوله كثير منهم، ويذكرونه في مؤلفاتهم ويحكونه عن أكابرهم، أن الله سبحانه وتعالى وتقدس، لا هو جسم ولا جوهر ولا عرض ولا داخل العالم ولا خارجه، فأنشدك الله، أي عبارة تبلغ مبلغ هذه العبارة في النفي؟ وأي مبالغة في الدلالة على هذا النفي، تقوم مقام هذه المبالغة؟ فكان هؤلاء في فرارهم من شبهة التشبيه إلى هذا التعطيل كما قال القائل:

فكنت كالساعي إلى مثعب ... موائلا من سبل الراعد

أو كالمستجير من الرمضاء بالنار، والهارب من لسعة الزنبور إلى لدغة الحية، ومن قرصة النملة إلى قضمة الأسد، وقد كان يغني هؤلاء وأمثالهم من المتكلمين التكلفين كلمتان من كتاب الله تعالى وصف بهما نفسه وأنزلهما على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهما: (ولا يحيطون به علماً)، و (ليس كمثله شيء) فإن هاتين الكلمتين قد اشتملتا على فصل الخطاب وتضمنتا ما يغني أولي الألباب السالكين في تلك الشعاب والهضاب الصاعدين في متوعرات هاتيك العقاب فالكلمة الأولى منهما دلت دلالة بينة على أن كل ما تكلم به البشر في ذات الله وصفاته على وجه التدقيق ودعاوي التحقيق فهو مشوب بشعبة من شعب الجهل

<<  <  ج: ص:  >  >>