مخلوط بخلوط هي منافية للعلم مباينة له فإن الله سبحانه قد أخبرنا أنهم لا يحيطون به علماً.
فمن زعم أن ذاته كذا أو صفته كذا فلا شك أن صحة ذلك متوقفة على الإحاطة وقد نفيت عن كل فرد لأن هذه القضية هي في قوة لا يحيط به فرد من الأفراد علماً فكل قول من أقوال المتكلفين صادر عن جهل إما من كل وجه أو من بعض الوجوه وما صدر عن جهل فهو مضاف إلى جهل ولا سيما إذا كان في ذات الله وصفاته فإن ذلك من المخاطرة بالدين، ما لم يكن في غيره من المسائل. وهذا يعلمه كل ذي علم ويعرفه كل عارف.
ولم يحظ بفائدة هذه الآية ويقف عندها ويقتطف من ثمراتها إلا الممرون للصفات على ظاهرها المريحون أنفسهم عن التكلفات والتعسفات والتأويلات والتحريفات وهم السلف الصالح كما عرفت فهم الذين اعترفوا بعدم الإحاطة وأوقفوا أنفسهم حيث أوقفها الله وقالوا: الله أعلم بكيفية ذاته وماهية صفاته بل العلم كله له وقالوا كما قال من قال ممن اشتغل بطلب هذا المحال فلم يظفر بغير القيل والقال:
العلم للرحمن جل جلاله ... وسواه في جهلاته يتغمغم
ما للتراب وللعلوم وإنما ... يسعى ليعلم أنه لا يعلم
بل اعترف كثير من هؤلاء المتكلفين بأنه لم يستفد من تكلفه وعدم قنوعه مما قنع به السلف الصالح إلا بمجرد الحيرة التي وجد عليها غيره من المتكلفين فقال:
وقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسرحت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم
وها أنا أخبرك عن نفسي وأوضح لك ما وقعت فيه في أمسي فإني في أيام الطلب وعنفوان الشباب شغلت بهذا العلم الذي سموه تارة علم الكلام وتارة علم التوحيد وتارة علم أصول الدين وأكببت على مؤلفات الطوائف المختلفة