للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهم ورمت الرجوع بفائدة والعودة بعائدة فلم أظفر من ذلك بغير الخيبة والحيرة.

وكان ذلك من الأسباب التي حببت إلي مذهب السلف على أني كنت من قبل ذلك عليه ولكن أردت أن ازداد منه بصيرة وبه شغفاً وقلت عند النظر في تلك المذاهب:

وغاية ما حصلته من مباحثي ... ومن نظري من بعد طول التدبر

هو الوقف ما بين الطريقين حيرة ... فما علم من لم يلق غير التحير

على أنني قد خضت منه غماره ... وما قنعت نفسي بدون التبحر

وأما الكلمة الثانية، وهي: (ليس كمثله شيء) فبها يستفاد نفي المماثلة في كل شيء فيدفع بهذه الآية في وجه المجسمة ويعرف به الكلام عند وصفه سبحانه بالسميع. والبصير، وعند ذكر السمع، والبصر واليد والاستواء ونحو ذلك مما اشتمل عليه القرآن والسنة فيتقرر بذلك الإثبات لتلك الصفات لا على وجه المماثلة والمشابهة للمخلوقات، فيندفع به جانبي الإفراط والتفريط وهما المبالغة في الإثبات، المفضي إلى التجسيم، والمبالغة في النفي، المفضية إلى التعطيل، فيخرج من بين الجانبين، وغلو الطرفين، حقية مذهب السلف الصالح، وهو قولهم بإثبات ما أثبت لنفسه من الصفات على وجه لا يعلمه إلا هو فإنه القائل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به القرآن والسنة من دون تكلف ولا تأويل، صفة الاستواء التي ذكرها السائل، فإنهم يقولون نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة لا يعلمها إلا هو، وفي كيفية لا يدري بها سواء، ولا نكلف أنفسنا غير هذا فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا يحبط عباده به علماً. وهكذا يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه، دليل عليها. والأدلة في ذلك طويلة كثيرة، في الكتاب والسنة. وقد جمع أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>