على أن الكافرة لا تحل له، قال إمام الحرمين: وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه، قال ابن العربي: والصحيح عندي تحريمها، وبهذا يتميز علينا، فإنه ما كان في جانب الفضائل والكرامات فحظه فيه أكثر، وما كان من جانب النقائص فجانبه عنها أطهر فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات، وقصر هو - صلى الله عليه وسلم - على المؤمنات، ولهذا كان لا تحل له الكتابية الكافرة لنقصانها بالكفر، انتهى.
وأما تسرّيه بالأمة الكتابية فالأصح فيه الحل لأنه - صلى الله عليه وسلم - استمتع بأمته ريحانه قبل أن تسلم كذا في المواهب وكانت يهودية من سبي قريظة، ومما خص به أيضاًً أنه يحرم عليه نكاح الأمة ولو مسلمة لأن نكاحها معتبر بخوف العنت، وهو معصوم، وبفقدان مهر الحرة ونكاحه غنى عن المهر ابتداء وانتهاء، وبرق الولد ومنصبه - صلى الله عليه وسلم - ينزه عنه كذا في الروض وشرحه.
(إن وهبت نفسها للنبي) أي ملكتك بضعها بأي عبارة كانت بغير صداق، وأما من لم تكن مؤمنة فلا تحل لك بمجرد هبتها نفسها لك، ولكن ليس ذلك بواجب عليك بحيث يلزمك قبول ذلك، بل مقيداً بإرادتك فهي جملة شرطية لا تستلزم الوقوع، ولهذا قال:(إن أراد النبي أن يستنكحها) يقال نكح واستنكح مثل عجل واستعجل، وعجب واستعجب.
ويجوز أن يراد الاستنكاح بمعنى طلب النكاح أو طلب الوطء قاله القرطبي، أي يصيرها منكوحة له، ويتملك بضعها بتلك الهبة بلا مهر، وذلك جار منه مجرى القبول. وحيث لم تكن الآية نصاً في كون تملكيها بلفظ الهبة لم تصلح أن تكون مناطاً للخلاف في انعقاد النكاح بلفظ الهبة، وإيراده في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات عن الخطاب للإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم؛ فيختص به كما ينطق به قوله الآتي:(خالصة لك) وقد قيل إنه لم ينكح النبي من الواهبات أنفسهن أحداً، ولم يكن عنده منهن شيء، قال قتادة: كانت عنده ميمونة بنت الحرث، قال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة الأنصارية أم المساكين: وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل: هي أم شريك بنت جابر الأسدية، وقال عروة ابن الزبير وهي أم حكيم بنت الأوقص