كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجُب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشياً، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة، حرصاً على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب قال:(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) الآية وأخرج بن سعد عن أنس قال نزل الحجاب مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، وذلك سنة خمس من الهجرة، وحجب نساءه من يومئذ، وأنا ابن خمس عشرة سنة، وكذا أخرج ابن سعد عن صالح بن كيسان، وقال: نزل الحجاب على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة. وبه قال قتادة والواقدي، وزعم أبو عبيدة وخليفة بن خياط أن ذلك كان في سنة ثلاث.
وفي الآية دليل على أن البيت للرجل ويحكم له به فإن الله أضافه إليه إضافة ملك، وأما إضافته إلى الأزواج في قوله (ما يتلى في بيوتكن) فهي إضافة محل بدليل أنه جعل فيها الإذن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، والإذن إنما يكون من المالك، واختلف العلماء في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان يسكن فيها نساؤه بعد موته هل هي ملك لهن أو لا؟ على قولين، فقالت طائفة: كانت ملكاً لهن بدليل أنهن سكن فيها بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى وفاتهن، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب لهن ذلك في حياته، الثاني: أن ذلك كان إسكاناً كما يسكن الرجل أهله، ولم يكن هبة وامتدت سكناهن بها إلى الموت، وهذا هو الصحيح، وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبد البر وابن العربي، وغيرهما. فإن ذلك من مؤونتهن التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استثناها لهن كما استثنى لهن نفقاتهن حين قال:[لا تقسم ورثتي ديناراً ولا درهما، ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤمنة عاملي فهو صدقه] هكذا قال أهل العلم، قالوا: ويدل على ذلك أن مساكنهن لم ترثها عنهن ورثتهن. قالوا: وفي ترك ورثتهن ذلك دليل على أنها لم تكن لهن ملكاً وإنما كان لهن سكنى حياتهن. فلما توفين جعل ذلك