فلا تدخلوا، وإذا قيل لكم ادخلوا فادخلوا وقوله: إلا أن يؤذن لكم يفيد الجواز، وقوله: ولكن إذا دعيتم فادخلوا يفيد الوجوب، فليس تأكيداً بل هو مفيد فائدة جديدة.
(فإذا طعمتم) أي أكلتم الطعام يقال: طعم بكسر العين يطعم بفتحها طعماً كفهم، وطعماً كقفل، وفي الخطيب إذا أكلتم طعاماً أو شربتم شراباً (فَانْتَشِرُوا) أي اذهبوا حيث شئتم في الحال، ولا تمكثوا بعد الأكل والشرب والمراد الإلزام بالخروج من المنزل الذي وقعت الدعوة إليه عند انقضاء المقصود من الأكل، ولا تدخلوا هاجمين.
(ولا) تمكثوا (مستأنسين لحديث) يستأنس بعضكم ببعض لأجل حديث يحدث به، يقال: أنست به أنساً من باب علم، وفي لغة من باب ضرب، والأنس بالضم اسم منه واستأنست به وتأنست به إذا سكن القلب ولم ينفر (إن ذلكم) أي الانتظار أو المكث والاستئناس للحديث وأشير إليهما بما يشار به إلى الواحد بتأويلهما بالمذكور كما في قوله تعالى: (عوان بين ذلك)، أي إن ذلك المذكور من الأمرين.
(كان) في علم الله (يؤذي النبي) لأنهم كانوا يضيقون عليه المنزل وعلى أهله، ويتحدثون بما لا يريده، قال الزجاج: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتمل إطالتهم كرماً منه فيصبر على الأذى في ذلك فعلم الله من يحضره الأدب فصار أدباً لهم ولمن بعدهم.
(فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أي يستحيي أن يقول لكم: قوموا أو أخرجوا (وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أي لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق ولا يمتنع من بيانه وإظهاره والتعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة.
قرأ الجمهور: يستحيي بيائين وروي عن ابن كثير أنه قرأ بياء واحدة، وهي لغة تميم يقولون استحى يستحي مثل استقى يستقي وهذا أدبٌ أدَّب الله به الثقلاء وعن عائشة قالت: حسبك في الثقلاء أن الله تعالى لم يحتملهم، وقال: إذا طعمتم فانتشروا؛ ثم ذكر سبحانه أدباً آخر متعلقاً بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم -