بغير إذن وقال ابن عادل: الأولى أن يقال المراد هو الثاني، لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل، وقوله: إلى طعام من باب التخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه لا سيما إذا علم أن غيره مثله فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه جاز دخوله بإذنه إلى غير الطعام انتهى والأولى في التعبير عن هذا المعنى الذي أراده أن يقال قد دلت الأدلة على جواز دخول بيوته (- صلى الله عليه وسلم -) بإذنه لغير الطعام، وذلك معلوم لا شك فيه فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام فيأذن لهم، وذلك يوجب قصر هذه الآية على السبب الذي نزل فيه، وهو القوم الذين كانوا يتحينون طعام النبي (- صلى الله عليه وسلم -) فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه وأمثالهم، فلا تدل على المنع من الدخول مع الإذن لغير ذلك، وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بإذنه لغير الطعام، واللازم باطل فالملزوم مثله.
قال ابن عطية: وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه، وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك، فنهى الله المؤمنين عن ذلك في بيت النبي (- صلى الله عليه وسلم -) ودخل في النهي سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله لهم في ذلك فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل، لا قبله لانتظار نضج الطعام، ثم بين سبحانه ما ينبغي في ذلك فقال:
(ولكن إذا دعيتم) وأذن لكم فادخلوا، وفيه تأكيد بليغ للمنع، وبيان الوقت الذي يكون فيه الدخول، وهو عند الإذن، وقال ابن العربي: وتقدير الكلام ولكن إذا دعيتم وأذن لكم.
(فادخلوا) وإلا فنفس الدعوة لا يكون إذناً كافياً في الدخول، وقيل إن فيه دلالة بينة على أن المراد بالإذن إلى الطعام هو الدعوة إليه، قال الرازي: فيه لطيفة وهي أنه في العادة إذا قيل لمن يعتاد دخول دار من غير إذن لا تدخلها إلا بإذن، يتأذى وينقطع بحيث لا يدخلها أصلاً، ولا بالدعاء، فقال: لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون، بل كونوا طائعين إذا قيل لكم لا تدخلوا