وقال أبيّ ابن كعب: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها، وقال أبو الدرداء: غسل الجنابة أمانة، وإن الله لم يأمن ابن آدم على شىء من دينه غيرها، وقال ابن عمر: أول ما خلق الله من الإنسان فرجة، وقال هذه أمانة أستودعكها فلا تلبسها إلا بحق فإن حفظتها حفظتك فالفرج أمانة، والأذن أمانة، والعين أمانة، واللسان أمانة، والبطن أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له.
وقال السدي: هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده هابيل وخيانته إياه في قتله وما أبعد هذا القول، وليت شعري ما هو الذي سوغ للسدي تفسير هذه الآية بهذا؟ فإن كان ذلك لدليل دله على ذلك فلا دليل، وليست هذه الآية حكاية عن الماضين من العباد حتى يكون له في ذلك متمسك أبعد من كل بعيد، وأوهن من بيت العنكبوت، وإن كان تفسير هذا عملاً بما تقتضيه اللغة العربية فليس في لغة العرب ما يقتضي هذا ويوجب حمل هذه الأمانة المطلقة على شىء كان في أول هذا العالم.
وإن كان هذا تفسيراً منه بمحض الرأى فليس الكتاب العزيز عرضة لتلاعب آراء الرجال به، ولهذا ورد الوعيد على من فسر القرآن برأيه فاحذر أيها الطالب للحق عن قبول مثل هذه التفاسير، واشدد يديك في تفسير كتاب الله على ما تقتضيه اللغة العربية فهو قرآن عربي كما وصفه الله، فإن جاءك تفسير عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلا تلتفت إلى غيره. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وكذلك ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإنهم من جملة العرب ومن أهل اللغة وممن جمع إلى اللغة العربية العلم بالاصطلاحات الشرعية، ولكن إذا كان معنى اللفظ أوسع مما فسروه به في لغة العرب، فعليك أن تضم إلى ما ذكره الصحابي ما تقتضيه لغة العرب وأسرارها، فخذ هذه كلية تنتفع بها، وقد ذكرنا في خطبة هذا التفسير ما يرشدك إلى هذا.
قال الحسن: إن الأمانة عرضت على السموات والأرض والجبال فقالت: