قال النسفي: وهنا التأويل يوافق التنزيل فإنه تعالى قال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ) الآية، وقال بعده:(وآخرون اعترفوا بذنوبهم) الآية وقال بعده: وآخرون مرجون لأمر الله) انتهى.
وقال الربيع بن أنس: الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد صاحب الصغائر، والسابق المجتنب لهما، وسئل أبو يوسف عن هذه الآية فقال كلهم مؤمنون وأما صفة الكفار فبعد هذا. وهو قوله:(والذين كفروا لهم نار جهنم)، وأما الطبقات الثلاث فهم الذين اصطفى من عباده وهم أهل الإيمان وعليه الجمهور، وقيل الظالم من كان ظاهره خيراً من باطنه والمقتصد الذي استوى ظاهره وباطنه، والسابق الذي باطنه خير من ظاهره. وقيل: الظالم التالي للقرآن ولم يعمل به، والمقتصد: التالي له العالم به والسابق القارىء له العالم به لعامل بما فيه.
وقد ذكر الثعلبي وغيره أقوالاً كثيرة ولا شك أن المعاني اللغوية للظالم والمقتصد والسابق معروفة، وهو يصدق الظلم للنفس بمجرد إحرامها للحظ وتفويت ما هو خير لها، فتارك الاستكثار من الطاعات قد ظلم نفسه باعتبار ما فوقها من الثواب وإن كان قائماً بما أوجب الله عليه تاركاً لما نهاه عنه.
فهو من هذه الحيثية ممن اصطفاه الله ومن أهل الجنة فلا إشكال في الآية، ومن هذا قول آدم عليه السلام (ربنا ظلمنا أنفسنا) وقول يونس (إني كنت من الظالمين) ومعنى المقتصد: هو من يتوسط في أمر الدين، ولا يميل إلى جانب الإفراط ولا إلى جانب التفريط، وهذا من أهل الجنة، وأما السابق: فهو الذي سبق غيره في أمور الدين وهو خير الثلاثة، وقد استشكل تقديم الظالم على المقتصد وتقديمهما على السابق مع كون المقتصد أفضل من الظالم لنفسه، والسابق أفضل منهما فقيل: إن التقديم لا يقتضي التشريف كما في قوله: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة)، ونحوها من الآيات القرآنية التي فيها تقديم أهل الشر على أهل الخير وتقديم المفضولين على الفاضلين.