وقيل: وجه التقديم هنا أن الظالمين كثير وأن المقتصدين بالنسبة إلى أهل المعاصي قليل والسابقين بالنسبة إلى الفريقين أقل قليل، فقدم الأكثر على الأقل والأول أولى، فإن الكثرة بمجردها لا تقتضي تقديم الذكر.
وقال ابن عطاء: إنما قدم الظالم لئلا ييأس من فضله، وقيل: إنما قدمه ليعرفه أن ذنبه لا يبعده من ربه، وقيل: إن أول الأحوال معصية ثم توبة ثم استقامة. وقال جعفر الصادق: بدأ بالظالمين إخبار بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء، ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره وكلهم في الجنة، وقد قيل في وجه التقديم غير ما ذكرناه مما لا حاجة إلى التطويل به.
وعن ابن عباس في الآية قال: هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وغيرهما عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في هذه الآية:" هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم يدخلون الجنة "، وفي إسناده رجلان مجهولان.
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وغيرهم عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله: (ثم أورثنا الكتاب) الآية فأما الذين سبقوا وأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون:(الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن). الآية. قال البيهقي: إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً انتهى. وفي إسناد أحمد: محمد بن