وصيغة المفاعلة تدل على اعتبار الأمرين جميعاً وقد تقدم في تفسير قوله تعالى (لا تضار والدة بولدها) ما إذا راجعته زادك بصيرة إن شاء الله تعالى.
(وإن تفعلوا) أي ما نهيتم عنه من المضارة (فإنه) أي فعلكم هذا (فسوق بكم) خروج عن الطاعة إلى المعصية ملتبس بكم (واتقوا الله) في فعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه (ويعلمكم الله) ما تحتاجون إليه من العلم، حال مقدرة أو مستأنفة وفيه الوعد لمن اتقاه أن يعلمه، ومنه قوله تعالى (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)(والله بكل شيء عليم) هذا آخر آية الدَّين.
وقد حث الله سبحانه فيها على الاحتياط في أمر الأموال لكونها سبباً لمصالح المعاش والمعاد. قال القفال: ويدل على ذلك أن ألفاظ القرآن جارية في الأكثر على الاختصار، وفي هذه الآية بسط شديد، ألا ترى أنه قال:(إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) ثم قال ثانياً (وليكتب بينكم كاتب بالعدل) ثم قال ثالثاً (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله) فكان هذا كالتكرار لقوله (وليكتب بينكم كاتب بالعدل) لأن العدل هو ما علمه الله ثم قال رابعاً (فليكتب) وهذا إعادة للأمر الأول ثم قال خامساً (وليملل الذي عليه الحق) لأن الكاتب العدل إنما يكتب ما يملى عليه، ثم قال سادساً (وليتق الله ربه) وهذا تأكيد، ثم قال سابعاً (ولا يبخس منه شيئاً) وهذا كالمستفاد من قوله (وليتق الله ربه) ثم قال ثامناً (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله) وهو أيضاً تأكيد لما مضى ثم قال تاسعاً (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا) فذكر هذه الفوائد التالية لتلك التأكيدات السالفة.
وكل ذلك يدل على المبالغة في التوصية بحفظ المال الحلال وصونه عن الهلاك، ليتمكن الإنسان بواسطته من الإنفاق في سبيل الله، والإعراض عن مساخطه من الرياء وغيره، والمواظبة على ذكر الله وتقواه، ذكره الخطيب.