(حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً) تعليل للتوصية المذكورة، واقتصر في التعليل على الأم لأن حقها أعظم ولذلك كان لها ثلثا البر قاله الخطيب، قرأ الجمهور كرهاً بضم الكاف في الموضعين، وقرىء بفتحها، قال الكسائي وهما لغتان بمعنى واحد، قال أبو حاتم الكره بالفتح لا يحسن لأنه الغضب والغلبة، واختار أبو عبيدة الفتح، وقال لأن لفظ الكره في القرآن كله بالفتح إلا التي في سورة البقرة (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) وقيل: إن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه، وبالفتح ما حمل على غيره، وإنما ذكر سبحانه حمل الأم ووضعها تأكيداً لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به، والمعنى أنها حملته ذات كره ووضعته ذات كره، ثم بين سبحانه مدة حمله وفصاله فقال:
(وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) أي عدتهما هذه المدة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع أي يفطم عنه؛ وقد استدل بهذه الآية على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع سنتان أي مدة الرضاع الكامل في قوله:(حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)، فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع، وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب، لأنها حملته بمشقة ووضعته بمشقة وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب. ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك.
قرأ الجمهور فصاله بالألف، وقرىء فصله بفتح الفاء وسكون الصاد والفصل والفصال بمعنى كالفطم والفطام والقطف والقطاف، عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال:" إني لصاحب المرأة التي أتى بها عمر وضعت لستة أشهر، فأنكر الناس ذلك فقلت لعمر لم تظلم؟ قال كيف؟ قلت اقرأ (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) كم الحول؟ قال: سنة، قلت: كم السنة؟ قال اثنا عشر شهراً، قلت: فأربعة وعشرون شهراً حولان كاملان، ويؤخر الله من الحمل ما شاء، ويقدم ما شاء فاستراح عمر إلى قوله "، وعنه أنه كان يقول إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهراً وإذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من