عن ابن عباس في الآية قال:" إن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا اقتتلت طائفة من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصف بعضهم عن بعض، فإذا أجابوا حكم فيهم بكتاب الله حتى ينصف المظلوم، فمن أبى منهم أن يجيب فهو باغ، وحق على الإمام أن يقاتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويقروا بحكم الله "، وعن ابن عمر قال ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت في نفسي من هذه الآية أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله. والحاصل أن حكم الفئة الباغية وجوب قتالها ما قاتلت، فإذا كفت وقبضت عن الحرب أيديها تركت، والمراد بأمر الله الصلح وزوال الشحناء.
(فإن فاءت) أي فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها إلى الحق، وأجابت الدعوات إلى كتاب الله وحكمه والرضا بما فيه (فأصلحوا بينهما بالعدل) أي بالنصح والدعاء إلى حكم الله، ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما عسى أن يكون بينهما قتال في وقت آخر، يعني فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله. ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم. وتؤدي ما يجب عليها للأخرى. ثم أمر الله سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم بعد أمرهم بهذا العدل الخاص بالطائفتين المتقاتلين فقال:
(وأقسطوا) أي: اعدلوا وهو أمر باستعمال القسط على طريق العموم بعد ما أمر به في إصلاح ذات البين والقسط الجور، والقسط العدل، والفعل منه أقسط الرباعي وهمزته للسلب أي أزال القسط، وهو الجور بخلاف قسط الثلاثي فمعناه الجور، يقال: قسط الرجل إذا جار، وأقسط إذا عدل، وهذا هو المشمهور خلافاً للزجاج في جعلهما سواء (إن الله يحب المقسطين) أي: العادلين، ومحبته لهم تستلزم مجازاتهم بأحسن الجزاء.