للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كارتكاب الكبيرة انتهى، والحاصل أن المعتمد وفاقاً لكثير من المتأخرين كالأذرعي والبلقيني والزركشي وابن العماد وغيرهم أنهم لا تضر المداومة على نوع من الصغائر. ولا على أنواع، سواء كان مقيماً على الصغيرة أو الصغائر أو مكثراً من فعل ذلك، حيث غلب الطاعات المعاصي، وإلا ضر، ثم رأيت ابن العماد قال ما نقله الإسنوي عن الرافعي: من أن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة ليس كذلك، ولم يذكر الرافعي هذه العبارة، قال البلقيني: المراد عدم غلبة الصغائر على الطاعة، وفسر القاضيان الماوردي والطبري الإصرار في قوله تعالى: (ولم يصروا) بأن لم يعزموا على أن لا يعودوا إليه، وقضيته حصول الإصرار بالعزم على العود، بترك العزم على عدم العود، ويوافقه قول ابن الصلاح: الإصرار التلبس بضد التوبة، باستمرار العزم على المعاودة، واستدامة الفعل بحيث يدخل به في حيز ما يطلق عليه الوصف بصيرورته كبيرة، وليس لزمن ذلك وعدده حصر.

وقال ابن عبد السلام: الإصرار أن تتكرر منه الصغيرة تكراراً يشعر بقلة مبالاته بدينه، إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك، وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر به أصغر الكبائر انتهى.

والصواب في هذا الباب ما ذكره القاضي محمد بن علي الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ونصه: قد قيل: إن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة، وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به، وإنما هي مقالة لبعض الصوفية، فإنه قال: لا صغيرة مع الإصرار، وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ، وجعله حديثاً، ولا يصح ذلك، بل الحق أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه، والإصرار على الصغيرة صغيرة، والإصرار على الكبيرة كبيرة انتهى.

ويفهم من ذلك أيضاً أن الإصرار على الكبيرة ليس كفراً، ثم التوبة عن الكبيرة وإن كانت واجبة عيناً فوراً بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، لكن قد يغفرها الله تعالى من غير توبة أيضاًً، كما دلت عليه السنة المطهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>