وتعين مصارع القوم واقعين في المدينة، لا وجه له أيضا إذ يلزم منه أن يكون الافتتان واقعا بالمدينة أيضا، وأن ازديادهم طغيانا متوقع عند نزول الآية لا واقع وهو خلاف الواقع وبعيد عن المعنى، ومباين لسياق الآية، ومناف لسياق التنزيل، وكذلك ما أخرجه ابن جرير عن سهيل بن سعد قال رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات عليه الصلاة والسلام وأنزل الله هذه الآية المفسرة، وما أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عباس عن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك، فأوحي الله تعالى إليه إنما هي دنيا أعطوها فقرّت عينه، وذلك قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا) إلخ وما أخرجه ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء واهتم عليه الصلاة والسلام لذلك، فأنزل الله هذه الآية المفسرة وما أخرج عن ابن عمران أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: أريت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، وأنزل الله تعالى ذلك أي الآية المفسرة والشجرة الملعونة (الحكم وولده) وقال بعض المفسرين هي بنو أمية، وما أخرج بن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لمروان بن الحكم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدك إنكم الشجرة الملعونة في القرآن، وعليه يكون الكلام على حذف مضاف أي وما جعلنا تعبير الرؤيا أو الرؤيا مجازا عن تعبيرها، ويكون معنى الإحاطة في هذه الآية إحاطة أقداره تعالى بهم، ومعنى الفتنة جعل ذلك بلاء لهم، ولعنهم بما صدر منهم ومن خلفائهم من استباحة الدماء المعصومة والفروع المحصنة ومنع الحقوق وأخذ الأموال بغير حق وتبديل الأحكام والحكم بغير ما أنزل الله إلى غير ذلك من القبائح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد تنسى ما دامت الليالي والأيام لأنهم فعلوا ما فعلوا وعدلوا عن سنن الحق وما عدلوا وإن لعنهم هذا إما على الخصوص كما زعمته الشيعة أو على العموم كما تقول أهل السنة والجماعة، فقد قال سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) الآية ١٣ من سورة الأحزاب في ج ٣، وقال عز وجل (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ