قال تعالى مهددا له «وَاسْتَفْزِزْ» استخفف واستزلل وحرك واستنفر «مَنِ اسْتَطَعْتَ» أن تستفزّه «مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ» دعائك إلى معصية ربك بما شئت من طرق الوسوسة كغناء ومزمار أو عود وربابة أو دفّ وبوق وغيرها من آلات اللهو واللعب بالباطل لتستميلهم إلى الكفر والمعاصي «وَأَجْلِبْ» صح «عَلَيْهِمْ» مأخوذ من الجلبة وهي الصياح والجمع يقال أجلب على العدو جمع عليه وأعان غيره عليه وتوعده بالشرّ اي استعمل بإضلالهم كل ما شئت «بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ» وسائر جنودك ركبانا ومشاة «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ» مما يصيبونه من حرام وينفقونه فيه «وَالْأَوْلادِ» ممن يأت منهم من الزنى الناشئ عن إغوائك وإضلالك وما تحبذه لهم من الأسماء المنهي عنها كعبد الحارث وعبد العزّى وعبد شمس، وتزيّن لهم قتل البنات خشية العار والفاقة وقتل غير القاتل وأخذ مال قريب الغاصب وما أشبه ذلك من أعمال الجاهلية التي وقعت بعد، إذ لا توجد إذاك جاهلية ولا غيرها.
قال مجاهد إن الرجل إذا لم يسمّ عند الجماع فالجانّ ينطوي على إحليله فيجامع معه، وذلك هي المشاركة، والأول أولى وأنسب بالمقام، وأحسن في التأويل وأوقع في المعنى «وَعِدْهُمْ» المواعيد الواهية والآمال الكاذبة من شفاعة الآلهة التي تسوّل لهم عبادتها وما تخيل لهم من أن الكرامة بالأنساب لا بتقوى الله وأن العاجل خير من الآجل، وأن لا جنة ولا نار، ولا نشر ولا حشر ولا حساب ولا عقاب، على حد قول أبي نواس:
خلياني والمعاص ... واتركا ذكر القصاص
واسقياني الخمر صرفا ... في أباريق الرصاص
إن صح عنه، وهذا لا يقوله إبليس لهم، لأنه ينفي عنهم وجود الجزاء لنفيه وجود الآخرة، وقد ختم أبو نواس البيتين بقوله:
وعلى الله وإن ... أسرفت في الذنب خلاصي
بما يدل على حسن عقيدته المؤيد بقوله:
إذا كنت بالنيران أوعدت من عصى ... فوعدك بالغفران ليس له خلف
إذا كنت ذا بطش شديد ونقمة ... فمن جودك الإحسان والمنّ واللطف