للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ركبنا خطايانا وسترك سبل؟؟؟ ... وهل لشيء أنت ساتره كشف

إذا نحن لم نهفوا وتعفو تكرما ... فمن غيرنا يهفو وغيرك من يعفو

قال العلامة محمد بن عبد الله الجرداني من كتب هذه الأبيات على كفنه ودفن فيه أمن من حساب القبر وفتّانيه وما ذلك على الله بعزيز وهو موف بوعده «وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ» من أباطيله ويسول لهم من أضاليله «إِلَّا غُرُوراً» ٦٤ بهم ليستوجبوا عقاب الله، هذا اعتراض لبيان مواعيده، والغرور تزيين الخطأ وإلباسه بالصواب، وعليه يكون المعنى إن الشيطان يزين لهم الباطل بصورة الحق إيهاما، فيظن المغرور به أنه صواب، يقال غر فلان فلانا إذا أصاب غرته أي غفلته ونال منه ما يريد، وأصله من الغرو وهو الأثر الظاهر من الشيء، لأن الشيطان يدعو إلى أحد ثلاثة أمور إما قضاء شهوة خسيسة، وإمضاء غضب مفرط، أو غلو في طلب رياسة، ولا يدعو البتة إلى معرفة الله وخدمته، وهذه الأمور الثلاثة ليست في الحقيقة لذائذ بل دفع آلام، فمقترفوها والحيوانات سواء، وهي لا تحصل إلا بمتاعب كثيرة ومشاق عظيمة قد يتبعها الموت والهرم واشتغال البال بالخوف من زوالها والحرص على بقائها، قال تعالى «إِنَّ عِبادِي» المختصين بي المخلصين لي أضافهم لذاته الكريمة تعظيما لشأنهم «لَيْسَ لَكَ» يا إبليس «عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» أو قوة تمكنك من إغوائهم فلا تقدر بوجه من الوجوه أن تتسلط عليهم لأنهم خاصتي وأوليائي، ومن كنت وليه لا يتمكن أحد من الاستيلاء عليه، لأني وكيله «وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا» ٦٥ لمن يتوكل عليه ويستمد المعونة منه في الخلاص من كل ما ينوبه من شيطان أو إنسان أو حيوان أو حماد، أما الذين يستنكفون عن عبادتي أمثالك وينسون نعمي عليهم فشأنك وإياهم، وموعدكم جميعا النار التي هي بئس القرار. وهذا الخطاب بلفظ ربّك هناك إلى كرامة المخاطبين وإلى مطلق إنسان، لأن القلب لا يميل إلى كونه خطابا لإبليس وإن كان الخطاب السابق له.

هذا وليعلم السائل عن حكمة إنظار إبليس وتمكينه من الوسوسة من قبل الله تعالى وعدم منعه منها وعدم إنظاره مع قدرته على ذلك، هو أن الله تعالى فعل هذا تشديدا للتكليف على الخلق ليستحقّوا مزيد الثواب، على أن وجود إبليس ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>