مانعا مما يريده الله جل مجده، فما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن، والله خلق الخلق طبق علمه، وعلم بهم طبق ما هو عليه في أنفسهم، وانه كان عليه اللعنة جازما بأن الذي تكلم معه بذلك الكلام وهدّده بذلك التهديد هو إله العالم جل وعلا، إلا أنه غلبت عليه شقوته التي استعدت لها ذاته الخبيثة، فلم يبصر وعيد الله مانعا له، ولذا حين يأت يوم هلاكه، ولم يبق له شيء من أجله، يقال له اسجد اليوم لآدم لتنجو، لا يسجد أيضا، ويقول لم أسجد له حيا فكيف أسجد له ميتا! كما ورد الأثر بذلك، فيظهر عناده وعتوه وجرأته على مولاه، فيهلك كافرا كما كان كافرا، وليس حاله بأعجب من حال الكفار، إذ يتمنون العود إلى الدنيا ليؤمنوا بالله، وقد أخبر الله عنهم بقوله:(وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) الآية ١٩ من سورة الأنعام في ج ٢، فلا محل للقول بأن إبليس عليه اللعنة لم يكن عالما بأن الذي تكلم معه وهدده هو إله العالم، لأن السياق يأبي ذلك والخطاب شاهد عليه.
مطلب أمل إبليس في الجنة والاعتراف بوجود الإله:
وما قيل إن له أملا بالنّجاة قيل مسنده ما حكي أن مولانا عبد الله التستري سأل الله تعالى أن يريه إبليس فرآه فسأله هل تطمع في رحمة الله تعالى؟ فقال:
كيف لا أطمع فيها والله سبحانه يقول (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الآية ١٥٦ من الأعراف المارة، وأنا شيء من الأشياء، فقال التستري، ويلك إن الله تعالى قيدها بقوله (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) إلخ تلك الآية، ثم وصفهم بقوله (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) إلخ الآية ١٥٧ منها أيضا، فقال له إبليس ويحك ما أجهلك القيد لك لا له، فأسكت التستري لأمر لا نعلمه، ولم يقل له إنها عامة تقبل التخصيص كتسليطك على آدم وهو قادر على منعك منه، وكان ذلك قبل تشريفه بالنبوة إذ ما عموم إلا وخصص والمخصص بالاستثناء منها أنت يا ملعون، إذ نص الله تعالى على جزائك بآيات متعددة بلفظ اللعن الخاص بك والطرد من رحمته، والمبعد عنها لا تشمله هذه الرحمة. ومن هنا يضرب المثل لكل مؤمل أملا لا يدركه بالقول السائر (أمل إبليس بالجنة) ولهذا ولكونه مدونا في أزل الله بأنه يقع منه