«وَالْبَحْرِ» على السفن والمراكب وغيرها مما كان وسيكون، وفي الهواء كذلك، وتحت الأرض والبحر أيضا من كل ما خلق الله وأطلع عليه البشر وما سيطلع عليه بعد ويسخرهم لعمله لأن عمل العبد من خلق الله، قال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) الآية ٩١ من الصافات في ج ٢، وليعلم أن ما يراه الناس من الأشياء العجيبة التي أحدثها البشر مما لا يتصوره العقل كله من خلق الله ولو شاء لما أطلعهم عليه وعلمهم صنعه «وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ» الحاصلة بصنعهم وبغير صنعهم من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب والمفروش وغيرها من كل ما علم البشر صنعه بتعليم الله إياه.
مطلب تفضيل الإنسان على ما خلق الله على الإطلاق:
قال تعالى «وَفَضَّلْناهُمْ» بهذا التكريم بظروف النعم وصنوف المستلذات وفنون المعمولات «عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا» أي كل خلقنا، لأن كثيرا هنا بمعنى كل على حد قوله تعالى (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) الآية ٢٣٣ من الشعراء المارة، قال الحسن أي كلهم كاذبون، «تَفْضِيلًا» ٧٠ عظيما كبيرا إذ عرفناه بواسطة العقل والفهم واكتساب العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة، فهذا هو معنى التفضيل، والاختصاص المتقدم هو معنى التكريم فلا يقال إن التفضيل والتكريم بمعنى واحد فهو تكرار، تنبه. وليعلم أن خواص البشر الأنبياء أفضل من خواص الملائكة، ولذلك أجمع المفسرون على أن كثيرا هنا بمعنى الكل كما ذكرناه في تفسير الآية ٢٣٣ المذكورة آنفا من سورة الشعراء المارة، وعوام الملائكة أفضل من عوام البشر على القول الراجح، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) الآية ٧ من سورة البينة في ج ٣، وجاء عن أبي هريرة قال: المؤمن أكرم على الله تعالى من الملائكة الذين عنده وقال: قال صلّى الله عليه وسلم أتعجبون من منزلة الملائكة من الله تعالى، والذي نفسي بيده لمنزلة المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من ذلك واقرأوا إن شئتم (إِنَّ الَّذِينَ) إلخ الآية السابقة. ويراد بالمؤمن هنا الكامل الموصوف في هذه الآية وهم الأنبياء، وليعلم أيضا أن الملائكة مجبولون على الطاعة وقد وضع الله فيهم العقل ولم يركب فيهم الشهوة، والبهائم على العكس فهي مجبولة على الشهوة ولم يضع