وبمعنى السحاب الذي يرمي بها، وكلها أقوال متقاربة والأول أنسب وأولى باللفظ «ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا» ٦٨ يصرف عنكم ذلك ويحفظكم منه إذ لا راد لأمره وهو الغالب القادر على كل شيء، قال تعالى «أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ» أي البحر «تارَةً أُخْرى» ظرف منصوب يجمع على تارات وتير قال:
يقوم تارات ويمشي أخرى
وقد تحذف منه الهاء كقوله: ... بالويل تار والثبور تارا
أي مرة أخرى ومرة بعد مرة وأسند الإعادة إليه تعالى مع أنها باختيارهم.
ومما ينسب إليهم عادة كسائر أفعالهم باعتبار خلق الدواعي فيهم الملجئة إلى ذلك منه وإن كان مخلوقا له «فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ» وأنتم في البحر «قاصِفاً» قاطعا ريحا شديدة تقلع بعزم قصفها وقوة قطعها ما تمر به من شجر ونحوه ولها صوت عال مزعج «مِنَ الرِّيحِ» المغرقة في البحر المهلكة في البر «فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ» نعمة الانجاء وإجابة الدعاء في المرة الأولى، لأن ديدنكم نسيان النعم وكفران المنعم، فلا تنظرون إلّا لما هو أمامكم «ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ» بذلك الإغراق والإهلاك «تَبِيعاً» ٦٩ يطالبنا بكم ولا متّبعا دركا لثاركم، وهذا على حد قوله تعالى (وَلا يَخافُ عُقْباها) الآية الأخيرة من سورة والشمس المارة وقرىء بنون العظمة في الأفعال الخمسة أي نخسف ونرسل ونعيدكم فنرسل فنغرقكم قال تعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ» بالعقل واستواء الخلقة ليدبروا معاشهم ومعادهم، وشرفناهم على الحيوانات والحيتان والطيور بذلك وبتناول طعامهم وشرابهم بأيديهم، وميّزناهم بالنطق واعتدال القامة وحسن الصورة، وذللنا لهم الحيوان والجماد وسخرناهما لهم وسلطناهم على ما على وجه الأرض وما جىء فيها من معادن ومياه، وما في المياه من حيوان وأحجار كريمة ومعادن نافعة، وخصصناهم بالتدبر والتفكر والحظ والملاذ الدنيوية الحلال، وزينا الرجال باللحى والنساء بالشعر، وهذه الإضافة تقتضي العموم فتشمل البرّ والفاجر منهم، ولهذا استدل الإمام الشافعي رحمه الله على طهارة الآدمي وعدم تنجيسه بالموت، وطهارة المني لأنه منه، ويكون منه «وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ» على الدواب والأنعام وغيرها مما كان وسيكون