لا يدع الأصنام في أرض العرب، فما زالوا به حتى أنزل الله هذه الآية وقد ادخرها الله تعالى هي وما بعدها إلى حد (زهوقا) الآتية لهذه الحادثة وهي كالمعترضة بالنسبة لما قبلها وما بعدها شأن الآيات المتأخر نزولها عن سورها، فإنك تراها معترضة لا علاقة لها بما قبلها ولا صلة بما بعدها. هذا، وما قيل إن قريشا قالت لحضرة الرسول اجعل لنا آية رحمة بدل آية عذاب وآية عذاب بدل آية رحمة حتى نؤمن بك، أو أنهم قالوا لا تمس الحجر الأسود حتى تمس آلهتنا، أو كلفوه أن يذكر آلهتهم ليسلموا ويتبعوه، أو أنهم قالوا له إن الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم فاطردهم حتى نتبعك لأنا نستحي أن نكون وإياهم سواء في المجلس، وأن حضرة الرسول حدث نفسه بما لفظه (ما علي أن أفعل ذلك والله يعلم أني لها كاره) وغيره من الترهات التي نقلها بعض المفسرين، دون ترو من صحتها لا يصح شيء من ذلك أبدا ولا يجوز أن ينسب لحضرة الرسول شيء منه أصلا، لأنه مما لا يقبل التأويل، وإن اختلاف الروايات تدل دلالة كافية على وضعه، وكون الآية مدنية تبرهن على كذبه وعزم النبي صلّى الله عليه وسلم وحرصه على ما أمره به ربه يحيل وقوعه، لأن تلك الأقوال الواهية على فرض صحتها جدلا فإنها كانت في مكة، ولم يكن يلتفت إليها حضرة الرسول مع ما كان عليه وأصحابه من الضعف لقلة المسلمين فيها، أما وقد حفظه الله من كيدهم وقواه وأيده وأعلى كلمته وأظهر دينه في المدينة وكسر شوكة أعدائه فلا يتصور صحة شيء منها البتة، قال تعالى «وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ» على ما أنت عليه من الحق بعصمتنا إياك من الميل لأقوالهم هذه «لَقَدْ كِدْتَ» قاربت في نفسك وأوشكت «تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ» بما قالوه وطلبوه لقوة خداعهم وشدة احتيالهم ونملقهم «شَيْئاً قَلِيلًا» ٧٤ يسيرا جدا قد يستدل به إلى ميلك القلبي لهم بسبب سكوتك وقيامك عنهم، دون أن تزجرهم وتظهر غضبك عليهم، وما كان ينبغي لك أن تتصور ذلك أو تردده في خلدك حتى يتخيلوا ميلك لإجابتهم ويطمعون في موافقتك لهم. هذا، واعلم أن ظاهر الآية تدل صراحة على أن حضرة الرسول لم يهم فعلا بإجابتهم، ولم يكد أيضا وهو لا شك معصوم عن العزم بما هو من ذلك القبيل وحديث النفس معفو عنه شرعا،