كل متكبر جبار، ضعيف الإيمان قليل العقيدة بآيات الله التي هي فضل منه «وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» به وتفريج للكروب وتطهير للعيوب وتكفير للذنوب، وجدير بأن تكون كذلك لما فيها من شفاء الأمراض الباطنة والظاهرة المار تفصيلها وغيرها.
واعلم أنه كما يكون كتاب الله رحمة للمؤمنين فهو عذاب للكافرين بدليل قوله عز قوله «وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ» أنفسهم بالكفر به وجحوده وتكذيب المنزل عليه «إِلَّا خَساراً» ٨٢ في الدنيا وضلالا مزدوجا يرى سوء عاقبته في الآخرة، قال قتادة لم يجالس القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان قضاء الله الذي قضى، وتلا هذه الآية، ونظيرتاها في المعنى الآية ٤٥ من سورة فصلت في ج ٢ والآية ١٢ من الأحقاف أيضا، وفي هذه الآية تعجيب من أمر القرآن لكونه بآن واحد نور لقوم، ظلمة لآخرين، شفاء لأناس، هلاك لغيرهم، علم لأناس، جهل لآخرين، وقيل في المعني:
كماء المزن في الأصداف درا ... وفي ثغر الأفاعي صار سما
وسيأتي زيادة تفصيل في تفسير آية فصلت المنوه بها أعلاه، وقدم الشفاء في هذه الآية على الرحمة لأن الشفاء يكون للتخلية، والرحمة تكون للتحلية، والتخلية مقدمة على التحلية لأنها أهم منها، قال تعالى «وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ» من كمال فضلنا وعظيم جودنا وكثير عطائنا وفيض رحمتنا بأن وسعنا طرق خيرنا عليه، فأعطيناه رحمة كاملة ومالا كثيرا وجاها وسلطانا وأولادا وخدما وعقارات «أَعْرَضَ» عنا وغفل عن ذكرنا ولم يدعنا، وأظهر الاستغناء عنا كأن ما حصل عليه من ذلك من كسبه وتدبيره لا بتوفيقنا «وَنَأى» أعرض لفرط جهله وعتوه وعناده، فتراة طوى كشحه ولوى عنقه وأدبر موليا عنا، وهذا تأكيد للإعراض لأن المعرض عن الشيء يوليه ظهره ويصد بوجهه ويتباعد عنه «بِجانِبِهِ» مبالغة في عدم التقرب إلى الله تكبرا وتعاظما، وكان عليه أن يقوم بما أنعمنا به عليه من أداء الشكر الواجب عليه بمقابل فضلنا المترادف عليه، لكنه لم يفعل لانه مجبول على الكفران ومقطور على النسيان ومطبوع على النكران، وما ذكره بعض أهل المعاني من أن التأكيد يتعين فيه ترك العطف لكمال الاتصال غير مسلم، وقرأ ابن