وكثير ممن ابتلي بداء أعجز الأطباء فيشفيه الله تعالى بالرقيا، والأطباء المنصفون يعترفون بأن من الأمراض ما يشفى بخاصة ما روحانية كما فصله الأندلسي في مفراداته وداود في الجلد الثاني من تذكرته ولا يعبا بمن ينكر ذلك، لأنه إنكار للمحسوس وجحد للظاهر. قال الراوي اشتكى محمد بن السماك فأخذنا ماءه وذهبنا به إلى طبيب نصراني فاستقبلنا رجل حسن الوجه طيب الرائحة، فقال لنا إلى أين؟
قلنا له إلى فلان الطبيب نريه ماء ابن السماك، فقال سبحان الله تستعينون على ولي الله بعدو الله اضربوه على الأرض وارجعوا إلى ابن السماك وقولوا له ضع يدك على موضع الوجع وقل (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) ثم غاب عنا فلم نره، فرجعنا إلى ابن السماك فأخبرناه بذلك فوضع يده على الوجع وقال ذلك فعوفي في الوقت، فقال لهم إن ذلك الرجل هو الخضر عليه السلام، أما ما رواه أبو داود من حديث جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال هي من عمل الشيطان. فعلى فرض صحة هذا الحديث فإن النشرة التي قال فيها حضرة الرسول ما قال هي النشرة التي كانت تفعل في الجاهلية، وهي أنواع شتى منها ما يكون بالودع، ومنها ما يفعله أهل التعزيم من قراءة أشياء غير معلومة المعنى أو كتابتها أو سقيها مما لم يرد به شيء من السنة، لا مثل التي فعلها القشيري، لأنها عبارة عن آيات الله من كتابه المأمور بالاستشفاء به، قال مالك عليه الرحمة لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى على أعناق المرضى على وجه التبرك بها، وكلمة لا بأس لا تختص بخلاف الأولى بل قد تكون للاستحباب والوجوب أيضا كما صرح به العلامة ابن عابدين في حاشيته على الدر، وقد وردت السنة بالرقيا من العين كما مر تفصيله في الآية ٥١ من سورة القلم المارة وكما سيأتي في الآية ٦٦ من سورة يوسف في ج ٢، وقال ابن المسيب يجوز تعليق المعوذة من كتاب الله تعالى في قصبة ونحوها وتوضع عند الجماع وعند الغائط، ورخص الباقر في المعوّذة تعلق على الصبيان مطلقا.
وكان ابن سيرين لا يرى بأسا بالشيء من القرآن يعلقه الإنسان كبيرا كان أو صغيرا مطلقا. وعذا الذي توارثه الناس أبا عن جد من لدن حضرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا هم عليه دائبون وبه متمسكون في جميع الأمصار، ولم يعارض به إلا