للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)

الآية ٥٤ من سورة الزمر ج ٢.

وقدمنا في سورة والضحى المارة عن جعفر الصادق أن أرجى آية في القرآن (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) إلا أنه خصّها بأهل البيت فراجعها، والمراد هنا ما يعم الكل غير المشرك لورود النص فيه في الآيتين ٤٧/ ١١٦ من سورة النساء في ج ٣، وهناك اقوال سنأتي بها عند تفسير الآيات المشار بها أعلاه فراجعها، قال تعالى «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ» الذي هو مبدأ البدن الإنساني ومبدأ حياته وقوام دوامها وملاك بقائها، وإنما سألوه عن الروح لأن معرفتها من أدق الأمور التي لا يسع أحد إنكارها ولا يقدر أحد على معرفتها، لذلك فإن كل أحد يشرئب إلى التعرف عليها، توفر دواعي العقلاء إليها، وكلل الأذهان عنها، ووقوف الفكر ببابها، فمن وفقه الله علم أنها لا تعلم إلا بوحي من الله، والوحي خاص بالأنبياء، وقد ختم الله إرسالهم بمحمد صلّى الله عليه وسلم، فيفوض أمر معرفتها إلى الله.

ويوقن ويسكت، ومن خذله الله تطرق إلى كل ما يتخيلة ليقف على صورتها ومادتها، فيرجع خاشئا، إذ لا طريق إلى ذلك. وقد زعم ابن القيم أن المسئول عنه في هذه الآية قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ) الآية ٣٨ من سورة عم في ج ٢، وسيأتي في تفسيرها أن الروح هناك يطلق على القرآن وعلى اسم ملك خاص أو صنف من الملائكة أو جبريل عليه السلام، إذ لا يعلم الروح المسئول عنه في الآية المفسرة إلا الله لأنه من الغيب الذي علمه من خصائصه جل شأنه.

واعلم أن الروح كما يطلق على ما ذكر آنفا كما سيأتي في الآية الأخيرة من سورة الشورى في ج ٢، وكما مر في الآية ١٩٢ من الشعراء، يطلق على الروح المركبة في الجسم المرادة في هذه الآية ليس إلّا والله أعلم. أخرج أحمد والنسائي والترمذي والحاكم وصححاه وابن حبان وجماعة عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئا لنسأل هذا الرجل، فقالوا اسألوه عن الروح، فسألوه فنزلت هذه الآية.

وفي السير عن ابن عباس أيضا أن قريشا بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، وقال لهم سلوهم ما نسأل محمدا فإنهم أهل كتاب، عندهم من العلم ما ليس عندنا، فخرجا حتى قدما المدينة فسألوهم، فقالوا اسألوه عن أصحاب

<<  <  ج: ص:  >  >>