الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبي، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي، فجاءوا وسألوه، فبين لهم صلّى الله عليه وسلم القصتين الآتيتين في سورة الكهف في ج ٢ من الآية ٣ إلى ٢٦ ومن الآية ٨٢ إلى ٩٩، ولهذا نزلت هذه الآيات بمكة قبل سورتها، كما سيأتي فيها، وأبهم أمر الروح إذ لم ينزل عليه فيها شيء يبينها، وهي مبهمة في التوراة أيضا. واعلم أن ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبي صلّى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكىء على عسيب، فمرّ بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح، وقال بعضهم لا تسألوه، فقالوا يا محمد ما الروح؟ فما زال يتوكأ على العسيب، فظننت أنه يوحى إليه، فلما نزل الوحي قال (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الآية، لا يصح سببا للنزول لأن الآية مكية ولم يستثنها أحد من العلماء، على أنه يصح أن النبي صلّى الله عليه وسلم أجابهم بهذه الآية لأنها كانت نازلة عليه وهو في مكة، على أنه يتمثل ببعض الآيات المكية في المدنية عند مناسبة تتعلق بها، أما سبب نزولها فهو ما سمعته عن ابن عباس الحديث الأول، ومما يدل على صحة عدم النزول في حديث ابن مسعود الآنف الذكر قوله فيه: فظننت أنه يوحى إليه، أي عند ما سكت حضرة الرسول، على أن حالة الوحي لا تخفى على أحد، ويوشك أن سكوته كان لتدبر الآية وهيبة لكلام الله، ويؤكد هذا عدم قوله في هذا الحديث فنزلت، بل قال فلما نزل الوحي قال (ويسألونك) إلخ، مما يدل على أن كلمة فلما نزل الوحي من عند ابن مسعود رضي الله عنه، وعليه يكون المراد من قوله (فلما نزل الوحي) فلما تذكره وتدبره والكلام يحتمل هذا. وما قاله بعض المفسرين من أن هذه الآية نزلت مرتين ليجمع بين الحديثين فغير سديد، إذ لم يثبت أن شيئا من القرآن نزل مرتين، وقدمنا في مطلع تفسير سورة الفاتحة المارّة وفي أول سورة المدثر المارة أيضا عدم صحة نزول شيء من القرآن مرتين، وفيه بحث نفيس فراجعه.
«قُلِ» يا سيد الرسل لهؤلاء السائلين وغيرهم «الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» لم يعط علمها أحدا من خلقه، لأنها مما استأثر الله بعلمه كالخمسة المذكورة آخر سورة لقمان في ج ٢، وإن معلومات الله التي اختص بها نفسه لا يحيط بها علم البشر، إذ ليس