للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها نهاية، راجع الآية ٢٧ من سورة لقمان أيضا، وإذا كان الله تعالى لم يطلع رسوله على معنى الروح وهو حبيبه وصفيّه من خلقه، فما بال الناس يبحثون عنها والتعرف إليها؟ وغاية عقول العوالم فيها عضال، ونهاية سعي الفلاسفة فيها ضلال، روي عن أبي هريرة أنه قال: لقد مضى النبي صلّى الله عليه وسلم وما يعلم الروح، وقد عجزت الأوائل عن إدراك ماهيتها بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه، والحكمة في ذلك تعجيز العقل عن إدراك مخلوق مجاور له، فعليه أن يستدل به على أنه عن معرفة خالقه أعجز. ولما أيسوا من معرفة الرّوح اختلفوا في معناها، فقيل إنه جسم دقيق هوائي متشرب في كل جزء من الحيوان، وقيل هو عبارة عن هذه البنية المحسوسة والهيكل المجسم، وقيل هو الدم لأن الإنسان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم، وقيل هي النفس لأن الإنسان يموت بانحباس نفسه، وقيل هي اعرض، وقيل هي جسم لطيف بمثابة الإنسان، وقيل هي معنى اجتمع فيه النور والطيب والعلم والعلو والبقاء، ألا ترى أنه إذا كان موجودا يكون الإنسان موصوفا بهذه الصفات جميعها، وإذا خرج منه ذهب عنه الكل فلا يوصف بشيء منها، وسبب هذا الاختلاف ناشيء عن عدم المعرفة بحقيقتها، لأن المحدود إذا كان لا يعرف كيف يحد وغير المحدود بما يميّزه، لا يمكن أن يعرف، وإذا كان كذلك فالأولى أن يوكل علم حد الروح إلى الله تعانى كما وكل هو جل شأنه علمها إليه، وهذا هو ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة «وَما أُوتِيتُمْ» أيها الناس «مِنَ الْعِلْمِ» بشيء من مكونات الله تعالى «إِلَّا» علما «قَلِيلًا» ٨٥ جدا لا يذكر في جنب معلوماته. واعلموا أن ما أوتيتم من العلم لا يمكن تعلقه باحتمال هذا الذي هو من خصائصه، وفي هذه الجملة معنى النهي عن السؤال عن الروح لعدم تعليمه إلى الرسول.

ومما يدلّ على أن هذه الآية مكّية لا مدنية، ما أخرجه ابن اسحق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت هذه الآية بمكة، فلما هاجر الرسول إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا يا محمد إنا نعجب من قولك، ألم يبلغنا عنك أنك تقول:

(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ) الآية أفتعنينا أم قومك؟ قال كلا عنيت. قالوا إنك تتلو أنا أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء، وتتلو (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>