للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كابن حزم، فلا دليل له على ذلك. وليس في قوله صراحة خلق الجسم قبل الروح، بل يفيد ظاهره أن الروح مخلوقة قبل، لقوله في برزخ. وإذا كان القول عاريا عن الدليل كهذا فلا محل للأخذ به، بل الأخذ بالقول الأول المعتمد على قول الرسول صلّى الله عليه وسلم. البحث الثالث، هل الروح والنفس شيء واحد أم لا؟ اعلم رعاك الله أن أكثر العلماء قالوا إن النفس والروح شيء واحد، لما جاء في الأخبار اطلاق أحدهما على الآخر، بدلالة ما أخرجه البزار بسند صحيح عن أبي هريرة أن المؤمن حينما ينزل به الموت ويعاين ما يعاين يودّ لو خرجت نفسه، والله تعالى يحب لقاءه، وإن المؤمن لتصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا. فهذا يدل دلالة ظاهرة على أن الروح والنفس شيء واحد، وقال ابن حبيب هما شيئان فالروح هو النفس المترددة في الإنسان، والنفس أمر غير ذلك، لها يدان ورجلان، ورأس وعينان، وهي التي تلتذّ وتتألم، وتفرح وتحزن، وتتوفى في المنام، فتخرج وتسرح وترأى الرؤيا، ويبقى الجسد دونها بالروح فقط لا يلتذ ولا يفرح حتى تعود إليه. واستدل بقوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) الآية ٤٣ من سورة الزمر في ج ٢، وسنأتي على ما يتعلق فيها عند تفسيرها في محلها إن شاء الله.

البحث الرابع: هل تموت الروح أم لا؟ اعلم علمك الله أن جماعة من العلماء الأعلام قالوا إنها لا تموت استنادا لما جاء في الأحاديث الصحيحة الدالة على نعيمها وعذابها بعد مفارقتها الجسد إلى أن يرجعها الله إليه عند البعث، لأن القول بموتها يلزم منه انقطاع النعيم والعذاب، وموت الروح المذكور في قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) الآية ١٨٥ من البقرة في ج ٣، ومثلها في سورة الأنبياء الآية ٣٥ ج ٢ جار على القول بأن النفس هي الروح ويكون بمفارقتها الجسد، وعلى القول بأن النفس غير الروح كما علمت آنفا فلا دليل بالآية على موتها، وما جاء في تفسير قوله تعالى (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) الآية ١١ من سورة المؤمن في ج ٢ بأن الموتة الأولى للبدن، والثانية للروح على رأي من فسر بذلك، غير مسلم.

وسيأتي لبحثه بيان في تفسيرها إن شاء الله فراجعه. البحث الخامس في تمايز الأرواح

<<  <  ج: ص:  >  >>