بعد مفارقتها الأبدان: اعلم نور الله قلبك أن الشيخ ابراهيم الكوراني قال في بعض رسائله إن الأرواح بعد مفارقتها أبدانها المخصوصة تتعلق بأبدان أخر مثالية حسبما يليق بها، وإلى هذا الإشارة بما جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود (إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر) ، وبما أخرج سعيد بن منصور عن مكحول عن النبي صلّى الله عليه وسلم (إن ذراري المؤمنين أرواحهم في عصافير الجنة) ، أي أنها تكون في أبدان مثالية على تلك الصور، ويؤيد هذا رواية ابن ماجه عن ابن مسعود (أرواح الشهداء عند الله تعالى كطير خضر) ، ولفظ ابن عمر في صورة طير بيض، وفي رواية علي بن عثمان اللاحقي عن مكحول (إن ذراري المؤمنين أرواحهم عصافير في الجنة) ، وما جاء في إنكار بعض المتكلمين لهذا بزعمهم أنه يصير متعلق روحين ببدن واحد وهو محال. ناشيء من عدم التأمّل والتثبّت، لأن ما قررناه لا يصيّر للطائر روحا غير روح الشهيد، بل هي نفسها، لأن الأبدان المثالية ليست كالأبدان المحسوسة من كل وجه بل من حيث الصورة فقط، على أنه لم يلزم من ظاهر الأحاديث محال لجواز أن تكون الروح في جوف الطير على نحو كون الجنين في بطن أمه، تدبر.
السادس في مستقر الأرواح بعد مفارقة الأبدان: اعلم بارك الله فيك ونفع بك ذويك أنه قد صح أن حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم كان آخر كلامه: اللهم الرفيق الأعلى.
وقال تعالى (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) الآية ١٨ من سورة المطففين في ج ٢، فعلى هذا يكون مستقر أرواح الأنبياء في عليين، وقد أخرج الإمام مالك رحمه الله عن كعب بن مالك مرفوعا إنما نسمة المؤمن (أي ذريته بدليل الأحاديث الصحيحة السابقة، لأن الأحاديث كالقرآن من حيث أنها يفسر بعضها بعضا) طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تعالى في جسده حين يبعثه. وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده، وخرجه النسائي من طريق مالك، وخرجه بن ماجه، وروى ابن منده من حديث أم بشر مرفوعا ما هو نص في أن مستقر أرواح المؤمنين نحو مستقر أرواح الشهداء المار ذكرهم في حديث مسلم عن ابن مسعود، ومستقر أرواح الكفار في سجّين، قال تعالى (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) الآية ٧ من المطففين أيضا. وما قاله ابن حزم من أن أرواح الموتى أقبية قبورهم