قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع. قيل هذه المصاحف ترفع فكيف بما في الصدور؟ قال يسري عليه ليلا فيرفع ما في صدورهم فيصبحون لا يحفظون شيئا ولا يجدون مما في المصاحف شيئا، ثم يفيضون في الشعر. يعارض هذا ما جاء في الحديث الآخر إن الله تعالى لا ينزع العلم انتزاعا من صدور الرجال، وإنما يفقد بموت العلماء، وهو أصوب، لأن الله أكرم من أن يمنّ على عبده بنعمة أنعمها عليه ثم ينزعها منه، لهذا فإن حمل الحديثين المارين على هذا أولى وأوفق. أللهم إلا أن يقال العلم غير القرآن فإنه يرفع رفعا على ما جاء في الحديثين، والعلم يكون رفعه بموت العلماء، وهو الأظهر والله أعلم، «إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ» يا أكرم الرسل الذي من جملته إبقاء القرآن راسخا في صدرك ثابتا في الصحف باقيا يتلى إلى الوقت الذي قدره لرفعه، وقد تفضل عليك به وبما سيبيته بعد وما لم يعلم فضلا «كَبِيراً» ٨٧، من ربّك الذي أنعم عليك به وجعلك خاتم أنبيائه وسيد ولد آدم، وأعلى كلمتك على جميع خلقه، وأيدك بنصره، وقواك بملائكته، وأعطاك الشفاعة الكبرى، وخصّك بالمقام المحمود والحوض المشهود، ونعما كثيرة تفضل بها عليك في الدنيا والآخرة. أخرج البيهقي والحاكم وصححه وابن ماجه بسند قوي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدرس الإسلام كما يدرس وشيء الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك، ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فتحن نقولها. ولا يبعد أن يكون هذا بموت العلماء والقراء وعدم معرفة الباقين القراءة، وكذلك تأويل ما يأتي بعد إذ ليس إزاء هذه الصراحة إلا التسليم واعتقادنا بأن الله لا يسلب نعمة من عبده بعد أن تفضّل بها عليه إلا إذا كان هذا العبد داخلا في قوله تعالى:
(ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) الآية ٥٢ من سورة الأنفال ج ٣، وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) الآية ١٤ من سورة الرعد في ج ٣، وعليه يكون الجزاء من جنس العمل، لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم ونسيهم، فجعلهم متروكين لا يؤبه بهم. وأخرج ابن