للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مردويه عن ابن عباس وابن عمر قالا: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس ما هذه الكتب التي بلغني أنكم تكتبونها مع كتاب الله يوشك أن يغضب الله تعالى لكتابه، فيسرى عليه ليلا لا يترك في قلب ولا رق منه حرف إلا ذهب به، فقيل يا رسول الله فكيف بالمؤمنين والمؤمنات؟ قال من أراد الله تعالى به خيرا أبقى في قلبه لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال يسرى على كتاب الله فيرتفع إلى السماء فلا يبقى في الأرض آية من القرآن ولا من التوراة ولا من الإنجيل والزبور، فينزع من قلوب الرجال، فيصبحون في الضلال لا يدرون ما هم فيه. والسرى المشي آخر الليل، ومعنى يسرّى أي يرسل الله تعالى في آخر الليل ما به يرفع القرآن من صدور الناس، بدليل قوله فيصبحون في الضلال إلخ الحديث. هذا، وقدمنا في المقدمة بحثا يتعلق بحفظ القرآن وتهديد من ينساه فراجعه فلعل فيه إيماء إلى هذا. ولما قال النضر وأضرابه من مشركي مكة عند سماعهم تلاوة القرآن من سيدهم سيد ولد عدنان لو نشاء لقلنا مثل ما يقول محمد يعنون به القرآن، وقد أخبر الله نبيه بذلك بقوله جل قوله: (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) الآية ٣١ من الأنفال في ج ٣، وهذه آية مكية مستثناة من سورتها المدنية أكذبهم الله تعالى بقوله «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء الأفاكين المتهورين «لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ» المنزل عليك من لدنّا «لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ» أبدا ولا يقدرون على ذلك البتة «وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» ٨٨ معاونا ومؤازرا في إرادة الإتيان بمثله، لأنه لا يشبه كلام الخلق وهو في أعلى طبقات البلاغة معجزا في نظمه معجزا في تأليفه، فضلا عن إعجازه بالإخبار عن الغيوب مما كون الله تعالى وأظهره للناس، ومما لم يظهره بعد. ولهذا البحث صلة في الآية ٧٨ من سورة يونس والآية ١٣ من سورة هود في ج ٢ والآية ٢٤ من سورة البقرة في ج ٣. وجملة لا يأتون جواب القسم الذي ينبىء عنه اللام الموطئة له، وسادّ مسدّ جزاء الشرط، ولو لاها لكان لا يأتون جزاء الشرط، وان كان مرفوعا بناء على القول بأن فعل الشرط إذا كان ماضيا جاز الرفع في الجواب، كما في قول زهير:

وإن أتاه قليل يوم مسغبة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم

<<  <  ج: ص:  >  >>