فقال عمر هكذا يجب أن يكون الفقيه، ثم قال يا غلام أخرج ذلك الجراب، فأخرجه ففضه فإذا فيه بيص مكسور نصفين وجوز مكسور وفول وحمص وعدس كلها حجارة، أي أن هذه من بقايا ما طمس عليه من ثمرات بني إسرائيل وأموالهم.
واعلم أن تخصيص الذكر هنا بالتسع لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليها، لما جاء في أصول الفقه أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد. وقد اتفق المفسرون على سبع من هذه التسع وهي: العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، واختلفت آراؤهم في الاثنتين الأخيرتين وأكثر الأقوال على أنها الأخذ بالسنين ونقص الثمرات كما بيناه في الأعراف لأن العقدة والعصا من خصائص سيدنا موسى عليه السلام وليست لقومه، أما كونها تلقف ما يأفكون فهي لقومه، قال تعالى «فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ» الموجودين في زمنك من أهل الكتابين الذين ستقدم عليهم في المدينة لتعرف كذبهم ويعرفوا صدقك، وليس المطلوب من سؤالهم استفادة العلم منهم عنها، بل لنقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره لهم، وعليه فيكون السؤال سؤال استشهاد لأنهم أولاد أولئك اليهود الذين ظهرت لهم تلك الآيات على يد نبيهم، وقد تناقلوها أبا عن جد فضلا عن ذكرها في التوراة التي هي بين أيديهم، ولهذا حسن النكني بهم عن أسلافهم «إِذْ جاءَهُمْ» موسى بها دليلا على صحة رسالته من ربه إليهم «فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ» لما ظهر عجزه تلقاء تلك المعجزات «إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً» ١٠٢ مفعولا بالسحر الذي استولى على جوارحك فصرت مطبوبا مختل العقل بطلبك قوما هم تحت سلطتي قديما، فكيف أرسل معك بني إسرائيل وأنت على ما أنت عليه. وقال بعض المفسرين معنى مسحورا ماهرا بالسحر معطى علمه ومعلّمه، وهذه العجائب التي بينتها هي ناشئة عن مهارتك فيه، وظاهر الآية يدل على الأول، لأن المقام مقام ذم، والتفسير الثاني مقامه مقام مدح يأباه المقام بدليل ما فتحت به الآية الآتية التي جاوبه بها موسى عليه السلام، وهي «قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ» يا فرعون مما رأيت «ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وجعل تلك الآيات «بَصائِرَ» مرئيّات ظاهرات لا تخفى على أحد من شدة وضوحها تبصرك في صدقي، وتعلمك أني