للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لست كما تقول مخدوعا أو خادعا أو مخيلا إلي أو ساحرا ماهرا مما تتقول به قبلا، لا بل إني عالم حاذق بصحة ما أقول من الأمر والنهي لأني أتلقاه من ربي خالق السموات والأرض وما بينهما وما تحتهما وما فوقهما، الذي أنزل تلك الآيات دلالة على صدقي وطلبا لإيمانكم، فما ظننت به كله كذب محض وبهت بحت..

والقراءة الفصحى علمت بفتح التاء لأن علم فرعون بأنها آيات نازلات من رب السماء او كد في الحجة، ولأن احتجاج موسى عليه السلام على فرعون بعلم فرعون او كد من الاحتجاج عليه بعلم نفسه على قراءة الضم التي معناها أنه أخبر عن نفسه أنه عالم بها وأنه غير مسحور، ونسب هذا القول إلى سيدنا علي عليه السلام، وأنه قال والله ما علم عدو الله ولكن علم موسى وهو قول ضعيف لا يستند اليه، لأنه مروي عن كلثوم المرادي وهو مجهول، ولهذا لما بلغ ابن عباس نسبة هذا القول لسيدنا علي لم يرضه واحتج بقوله تعالى (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) الآية ١٤ من سورة النحل المارة بما يدل على أن فرعون وقومه كانوا قد عرفوا صحة أمر موسى عليه كما أن بلقيس وقومها علموا معجزات سيدنا سليمان عليه السلام «وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً» ١٠٢ هالكا مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر لانكارك ما عرفت صحته من آيات الله مكابرة وعنادا، وقد قارع الظن منه عليه السلام بالظن من فرعون بالآية السابقة، لأنه لما وصفه بكونه مسحورا أجابه بكونه مثبورا لأن تلك المعجزات مبصرة نيرة لا يرتاب فيها عاقل ولا يقول بها إلا أنها من عند الله وانه أظهرها ليؤمن بها، قال تعالى «فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ» أي يخرج فرعون موسى وقومه ويطردهم «مِنَ الْأَرْضِ» أرض مصر أو يعدمهم من ظهر البسيطة لما رأى بقاءهم يهدد ملكه بالخراب وسلطنته بالزوال، ولما كان ثابت في علم أنه لو أمهل فرعون وقومه ما أمهلهم لم يؤمنوا ويبقوا مصرين على كفرهم لهذا أغراه الله تعالى باتباع موسى وقومه وأدخلهم جميعا البحر «فَأَغْرَقْناهُ» لهذه الحكمة «وَمَنْ مَعَهُ» من القبط الذين جنّدهم لاسترجاع موسى وقومه واسترقاقهم فأهلكهم في البحر «جَمِيعاً» ١٠٣ فلم يفلت منهم أحد، راجع كيفية إغراقهم في الآية ٤٠ من

<<  <  ج: ص:  >  >>