للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستبعد شيء على الله تعالى وهو الخلاق العظيم، ولا يخفى أن أكثر أقوال الطبيعيين والفلكيين مبنية على الظن والحدس لأنها أمور غير محسوسة، والخطأ في الظن أكثر من صوابه وخاصة في غير المرئي ولا يعلم مكنونات الله إلا هو فعلى العاقل أن يؤمن بمثل هذه الأشياء لأن الإيمان بها لا يضره، ولا يجحدها فإن الجحد لها قد يضره والتسليم أسلم وهو مذهب السلف الصالح وناهيك بهم قدوة «وَيا سَماءُ أَقْلِعِي» أمسكي عن القطر «وَغِيضَ الْماءُ» نقص ونضب إذ انقطع من السماء انهماره ومن الأرض انفجاره فغار وذهب ولعبت الرياح شرقا وغربا، ونشفت الأرض وببست «وَقُضِيَ الْأَمْرُ» بإهلاك قوم نوح عليه السلام ومن قدر عليهم تبعا لهم ممن أراد الله تعالى إغراقه من غيرهم «وَاسْتَوَتْ» السفينة «عَلَى الْجُودِيِّ» جبل معروف الآن شمالي دجلة مما يقابل عين ديوار من أرض الجزيرة الواقعة جنوبي دجلة شمالي غربي الموصل «وَقِيلَ بُعْداً» وسحقا وهلاكا «لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٤٤» وكلمة بعدا يقولها العرب إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك وعدم العودة، فإنهم يقولون بعدا بعدا، ولذلك خصوها بالسوء وهكذا كلما مرت هذه الكلمة يكون المراد منها ذلك المعنى، وقال الأخباريون لما استقرت السفينة على الجودي بعث نوح عليه السلام غرابا ليأتيه بخبر قومه فوقع على جيفة فلم يرجع اليه، ثم بعث لحمامة فجاءت بورق زيتون في منقارها ولطخت رجليها بالطين، فعلم نوح أن الماء ذهب بالمرة، فدعا على الغراب بالخوف فلذلك لا تراه يألف البيوت حتى لآن، وطوق الحمامة بالخصرة في عنقها، ودعا لها بالأمان، فمن ذلك اليوم ألفت البيوت واعتاد الملوك إرسالها بالكتب إلى من تريد. وهي كذلك حتى الآن لم يستغن عنها مع وجود الطائرات وغيرها وإذ نعمت النظر فلا تجد شيئا يستغرب الآن إلا وله أصل قبل، وإذا تتبعت هذه المنشآت الحديثة لم تجدها بنت سنتها بل لا بد وقد سبق لها بحث أو عمل، وإذا مر الفكر على عمل شيء أو بحث في أمر قد يستحيله عقل غيره أمعن نظره فيه وأفرغ تدبيره، فجعل له أساسا حتى إذا لم يتوفق لا نجاره تركه لعيره، وهكذا حتى استوت هذه المخترعات فظهرت لعالم الوجود، وهي وإن كانت من صنع البشر إلا أنها من إلهام الله تعالى إياه قال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>