حرمة أحد ولا يذعنون لنهيه، وإنما قلق باله عليه السلام لظنه أنهم من الإنس ولعلمه أنه لا يقدر على تخليصهم من مراودة قومه الخبثاء «وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ ٧٧» شديد، كأنه قد عصب وربط بالشر والبلاء، ولم تتكرر هذه الكلمة أيضا بالقرآن، روي أن الله تعالى قال للملائكة لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم أربع شهادات باستحقاقهم الإهلاك، فقام عليه السلام واستقبلهم على ما هو عليه من الكرب، ومشى معهم إلى منزله الخاص بالضيفان، وقال لهم أما بلغكم أمر هذه القرية، قالوا وما أمرهم؟ فقص عليهم حالتهم الخبيثة مع الناس وبعضهم وقال أشهد بالله أنهم لشر أهل قرية في الأرض، وكررها أربع مرات لشدة تأثره منهم، وكلما قالها مرة يقول جبريل لرفقائه اشهدوا، فدخلوا معه المنزل ولم يعلم بهم أحد من قومه، وقد عجب هو عليه السلام من أمرهم كيف دخلوا ولم يتعرضهم أحد، ولم يعلم أنهم ملائكة، والملائكة يوجدون بالمحل الذي يريدونه بمثل البرق فمن أين يتوصل إليهم الناس، فلما رأتهم امرأته التي هي من أهل القرية خرجت فأخبرت قومها بهم، فلما سمعوا قولها بادروا وتوافدوا على بيت لوط، قال تعالى «وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ» يسرعون المشي نحوه، والهرع مشى بين الخبب والهرولة والجمز فصاروا من كثرتهم كأنهم يدفعون دفعا «وَمِنْ قَبْلُ» مجيئهم هذا «كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ» الفعلات الخبيثات وهي إتيانهم الرجال، فتلقاهم لوط و «قالَ يا قَوْمِ» اتركوا ضيفاني لا تعتدوا عليهم وإن كنتم لا تراعون خاطري وتقصدون فضيحتي ولا بد لكم مما عزمتم عليه فدونكم «هؤُلاءِ بَناتِي» اللاتي كنتم تخطبونهن مني وكنت أمتنع من زواجهن لكم لأنكم على غير ديني، وهذا الخطاب لملأ قومه عليه السلام الذين كانوا خطبوهن منه قبل هذه الحادثة، وقد فداهنّ للمحافظة على ضيفانه، وقال لهم «هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ» مما أنتم قادمون عليه وقاصدون فعله فإني أفتدي أضيافي بهن وأوافق الآن على زواجهن لكم أيها الوجهاء، فادفعوا قومكم وانصروني واحموا أضيافي منهم، وكان في شريعته عليه السلام جواز زواج المسلمة من الكافر، وكان امتناعه من زواجهن لأشرافهم بقصد جلبهم للإيمان به، واستدامت هذه الشريعة لزمن محمد صلى الله عليه وسلم