إذ زوج بنته زينب لأبي العاص وهو كافر ورقية إلى عتبة وهو كافر حتى نزل الوحي بالمنع في المدينة المنورة، فحرم زواج المؤمنة بالكافر، ولا تزال الحرمة حتى الآن كما سيأتي بيانه في الآية ٢٣٠ من البقرة في ج ٣، وستدوم هذه الشريعة المطهرة إن شاء الله إلى يوم القيامة، وعلى هذا يظهر أن الامتناع من إعطائهن إلى أشراف قومه هو ما ذكرنا لأنه يرى عدم كفاءتهم لهن لما هم عليه من العمل القبيح، لا لأجل منع شرعي غيره، وإنما بادرهم بهذا الكلام ليكفوا عن أضيافه، وإن كان ليس من المروءة أن يعرض الرجل بنته على غيره ليتزوج بها لا سيما وهم كفار وهو نبي مكرم على الله، ولا يليق بمنصبه الشريف ذلك، ولكن للضرورة أحكام والضرورات تبيح المحظورات، وتفسير البنات بيناته نفسه عليه السلام جاء على الحقيقة وموافق لسياق التنزيل، أما من قال إن المراد ببناته نساؤهم لأن النبي كالوالد والأمة كالولد له ولهذا أضافهن لنفسه، لأن كل نبي أب لأمته، فهو قول وجيه إلا أن المراد حينئذ المجاز لا الحقيقة، ولا يصرف القول إلى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة، وإن من رأي أن الأخذ بالمجاز هنا متعذر لعدم الصارف فسر بما فسرناه عملا بحقيقة اللفظ وظاهر القرآن، وإلا فلا، لأن المعتل معتل أبدا مهما علّلته، والضمير لا يرتاح إلى ما به علّة دون أن يقف على الصارف أو المانع، وقد مر في الآية ٤٧ ما يتعلق بمثل هذا
فراجعه، إلا أنه لما كان القوم كثيرين وبناته ثلاثا أو اثنتين وللفظ يؤيد الأول وليس يكفين كبار قومه رأي بعض المفسرين الأخذ بالمجاز أشبه من الحقيقة استنادا إلى هذا التعليل العليل، ويكون قوله لنسائهم بناتي مبالغة في التودد إليهم والتواضع هم وإظهارا لشدة امتعاضه مما أوردوه عليه طعما في أن يستحيوا منه ويرقوا له، فيتركوا ضيوفه عند سماع قوله هذا مع ظهور الأمر عنده واستقرار العلم عندهم، إذ لا مناكحة بينه وبينهم، فأقول هذا هو المناسب ويجوز القول به أنه هو الصحيح لولا قوله تعالى الآتي في الآية التالية لأنه صريح بأنهن بناته نفسه، وأنه إذا صاهرهم بهن فيكونون أصهاره وهم وجوه قومهم حماة له من تعدي الآخرين، وقد يوجد كبير واحد يحمي من ألف وأكثر إذ ليس شيء بألف مثله إلا الإنسان وهو بحاجة للنصرة لما ذكرنا أنه