للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلجأ إلى ركن شديد، فإنهم «لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ» لأن الله حافظك منهم، ولن يستطيعوا علينا، فإن الله سلطنا عليهم، فبعد صراحة هذه الآية يطرح قول كل من يقول إن أو بمعنى بل، ويكذبه، إذ لو كانت أو بمعنى بل فلا حاجة للإتيان بها، ولا محل لقول الملائكة إنا رسل ربك، أي ناصروك عليهم، قالوا فترك الباب لما عرفهم أنهم ملائكة، فدخلوا يتسابقون إلى الملائكة، ولما أرادوا مد أيديهم إليهم تحوّلوا إلى صورتهم الحقيقة، واستأذن جبريل ربّه رب العزة في عقوبتهم، إذ جاء أجلها، لأنهم لا يقدرون أن ينفذوا شيئا أرسلوا إلى تنفيذه إلا بعد الاستئذان، لأنه قد يعفو عن العقوبة وهو الذي لا يسأل عما يفعل، فأذن لهم، فضربهم ضربة واحدة بجناحه، فطمس أعينهم، فانطلقوا عميا يركب بعضهم بعضا ويقولون النجاة النجاة، فإن في بيت لوط سحرة! وجاء في رواية أخرى أنهم كسروا الباب ودخلوا فلطمهم جبريل فطمس أعينهم، فقالوا وهم هاربون يا لوط جئتنا بسحرة، وتوعدوه، فأوجس في نفسه خيفة منهم إذ قال سيذهب هؤلاء ويذرونني لا ناصر لي، لأني غريب عنهم، فعندها قال جبريل لا تخف والتفت هو وجماعته إلى لوط وقالوا «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ» قرىء أسر بالقطع والوصل من الإسراء وهما بمعنى واحد، وقيل إن أسرى سار أول الليل وسرى آخره، ولا يقال في النهار إلا سار كما بيناه أول سورة الإسراء المارة في ج ١، «بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ» آخره أو شدة ظلمته، قال مالك بن كنانة:

وقائمة تقوم بقطع ليل ... على رحل أهانته شعوب

يؤيد هذا التفسير قوله تعالى (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) الآية ٣٤ من من سورة القمر المارة في ج ١، والسحر آخر الليل وأشده ظلمة، وأصل القطع القطعة من الشيء، لذلك قال ابن عباس طائفة من الليل، وقال قتادة بعد صدر منه «وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ» وراءه وضمير منكم يعود على أهله، وقوله لا يلتفت من تسمية النوع وهو من بديع النكات، إذ أن المتأخرين من أهل البديع زعموا أنهم اخترعوا نوعا من البديع لم يكن قبل وسمّوه تسمية النوع، وهو أن يؤتى بشيء من البديع ويذكر اسمه على سبيل التورية كقوله في البديعية في الاستخدام:

<<  <  ج: ص:  >  >>