واستخدموا العين مني فهي جارية ... وكم سمعت بها في يوم بينهم
ويتبجحوا في ذلك ولم يعلموا وجوده في كتاب الله الذي لم يغفل شيئا في مثل هذه الآية، وإن علومهم وعلوم من تقدمهم مستقاة من هذا القرآن العظيم الذي يقول الله تعالى فيه (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) الآية ٣٨ من الأنعام الآتية فلم يترك شيئا من أفعال وأعمال الأولين والآخرين، قال الأبوصيري رحمه الله:
لم تقترن بزمان وهي تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن ارم
فلا تعد ولا تحصى عجائبها ... ولا تسام على الإكثار بالسأم
ثم استثنى من أهله عليه السلام فقال «إِلَّا امْرَأَتَكَ» بالنصب على الاستثناء المتصل من أهلك، وبالرفع على البدلية من أحد، أي اتركها لا تأخذها معك «إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ» من العذاب فهي هالكة معهم لرضائها بفعلهم، فلم تمنعهم ولم تزجرهم وكانت تخبرهم بمن يأتي عنده، حتى إنها أخبرتهم بحضور الملائكة ظنا منها أنهم بشر، ولم يروهم حين مجيئهم، وذلك لأنهم لا يمشون مشي البشر، إذ يصلون إلى المحل الذي يريدونه بلحظة، فلا يحس إلا وهم أمام من يقصدونه، قال لوط متى ينزل فيهم العذاب قالوا له «إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ» قال لهم أريد أسرع من ذلك قالوا له إن الوقت المقدر لإهلاكهم هو الصبح «أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ٨١» ولم يكن بيننا وبينه إلا هذا الليل المضل، وقرئ الصبح بضم الباء، وعي لغة جائزة لأنها ليست بحركة إعراب، أما حركة الإعراب كحركة الميم في أنلزمكموها وأضرابها فلا يجوز فيها الإسكان بداعي الخفة إلا ضرورة كقوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إنما من الله ولا واغل
بإسكان الباء من أشرب للخفة ضرورة، وقول الآخر:
وناع يخبرنا بمهلك سيد ... تقطع من وجد عليه الأنامل
بإسكان باء يخبرنا، أما الإسكان لتوالي الحركات فقد أجازه بعضهم بلا ضرورة مثل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) الآية ٥٨ من سورة النساء ج ٣، وأمثال كثير، وكان سيبويه يخفف الحركة ويختلها، قالوا وهو الحق، ولما دخل الليل تهيأ لوط وهيأ أهله، ثم أخذهم وترك زوجته، وأوصاهم بعدم