الآثار الدنيوية والأخروية، والمقيد نوعان: نوع مقيد بالنوم، ونوع غير مقيد به مشروط بحصول غيبة أو فتور عما في الحس، هذا وأول ما يراه الأنبياء عليهم السلام الصور المثالية في النوم والخيال في اليقظة، ثم يترقّبون إلى أن يروا الملك في المثال المطلق والمقيد يقظة مع فتور في الحس وكونهم مأخوذين عن الدنيا عند نزول الوحي، إنما هو مع بقاء العقل والتمييز ليس إلا، ولهذا لم ينقص وضوءهم لأنهم عليهم السلام تنام عيونهم ولا تنام قلوبهم، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح، وهذه ميزة اختص بها الله أنبياءه دون سائر البشر، كما خصهم بالرسالة والنبوة، فلا مجال لقول بذلك والسؤال عن السبب فيه، لأنه من أفعال الله تعالى وأن أفعاله لا تعلل، وإنما لم تنم قلوبهم تبعا لأعينهم مثلنا لأن بواطنهم متحلية بصفات الله متخلقة بأخلاقه، مطهرة من أوصاف البشرية من كل ما فيه نقص ظاهر بالإضافة إلى ذروة الكمال، فضلا عن كل ما يذم لأنه عجز وضعف وآفة، ولو حلّت الآفة قلب النّبي الذي هو عمود بدنه الشريف لجاز أن يحل فيه سائر الآفات الأخرى، من توهم في الوحي والغفلة عنه والسّآمة منه وفزع يمنعه عن واجب عليه، وحاشاهم من ذلك، وقد ذكرنا قبلا في مطلع هذا البحث أن الرؤيا عبارة عن اعتقادات يخلقها الله تعالى في قلب النائم، وأن تلك الاعتقادات تكون علما على أمور أخر يخلقها الله في ثاني الحال أو حال اليقظة، والحال الأول هو النوم وهذا قول الإمام محي الدين النووي رحمه الله نقلا عن المازني، وتتمته فما يكون علما على ما يسر يخلقه الله تعالى بغير حضرة الشيطان، وما كان علما على ما يضرّ يخلقه بحضرته أي عند الرائي فيسمى الأول رؤيا وتضاف اليه تعالى اضافة تشريف، ويسمى الثاني حلما وتضاف الى الشيطان كما هو الشائع من إضافة كل مكروه إليه، وإن كان الكل من الله تعالى. وهذا معنى ما جاء فى قوله صلى الله عليه وسلم الرؤيا من الله والحلم من الشيطان لأن الرؤيا اسم للمحبوب، والحلم للمكروه، ولهذا لا ينبغي أن يقول رأيت حلما بل رؤيا. وقال المحدثون إذا كانت الرؤيا صادقة فهي أحاديث الملك الموكل به أي النائم، وإن كانت كاذبة
فهي وساوس الشيطان والنفس، وقد يجمع بين قول المحدثين وقول المازني الذي نقله النووي بأن القصد من أنها اعتقادات إلخ أي اعتقادات تخلق