على ما جرينا عليه كما عليه أكثر المفسرين، والمراد بالعلم الفقه بالدين لأنه عليه السلام كان يرجع إليه جل أهل مصر في أمورهم، حتى إن العزيز صار يحيل من يأتي إليه ليتحاكم مع خصمه إلى يوسف لما رأى من حدة عقله وإصابة رأيه، لهذا فإن ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما إن المراد بالحكم هنا النبوة وبالعلم الشريعة وجيه أما القول برسالته فلا، لأنه أرسل بالسجن، وكذلك القول بأنه أعطي شريعة خاصة أو أنزل عليه كتاب، وهذا يقال
إذا كان هناك نص صريح يستند إليه، وليس فليس، «وَكَذلِكَ» مثل هذا الجزاء الحسن «نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ٢٢» في هذه الدنيا الصابرين على النوائب أمثال يوسف عليه السلام، وفي الآية إعلام بأنه كان محسنا في أعماله متقنا مسالك التقوى والورع في عنفوان شبابه، ومن هنا قال الحسن من أحسن عبادة الله تعالى في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله، قال تعالى «وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها» خادعته ودعته لنفسها وطلبت منه أن يواقعها، والمراودة مفاعلة من راد يرود، إذا جاء وذهب «عَنْ نَفْسِهِ» الطاهرة الزكية وجيء بعن بدل من دلالة على أن السيدة زليخا زوجة العزيز نازعته في ذلك لما هو عليه من حسن الأدب والصورة، بأن صارت تطلب منه الفعل وهو يطلب الترك، كما تقول جاذبته عن كذا، لأن عن، تدل على البعد، فكأنها تجذبه لنفسها جذبا بالغا وهو يتباعد عنها تباعدا مقصودا. وهذا إعلام بكمال نزاهته وإظهار عفته، لأن عدم ميله إليها مع دوام مشاهدته لحسنها وقربه منها مثبت لذلك، وأن استعصاءه عليها مع كونه تحت يدها يؤذن بأنه في أعلى معارج العفّة ويعلن أنه بأسنى درجات النزاهة، كيف لا وقد شرفه الله بالنبوة وزاده عليها الحكم بين الناس وتعبير الرؤيا؟ ولما رأت عدم رغبته بما طلبته ناشىء عن أمر قلبي كرهه في تنفيذ طلبها غضبت عليه، وجرته لداخل الدار «وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ» عليه، واعلم أن تضعيف الفعل يدل على التكثير، أي أنه ليس بابا واحدا بل أبواب كثيرة، قالوا إنها سبعة، واحد داخل الآخر والتفتت إليه «وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ» تعالى أقبل إلي، فقد هيئت لك، وهي لغة حوارن إذ ذاك، أي هلم أفعل ما آمرك به، وفيها معنى الحث على الفعل، وقيل إن هيت بالعبرانية. بمعنى تعال فعرّبت