والسنبلات اليابسة بسبع سنين مجدبة، أي ازرعوا أيها الناس «سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً» بحسب عادتكم لأن الدأب العادة المتمادية، حتى إذا بلغ الزرع الحصاد «فَما حَصَدْتُمْ» منه كل سنة «فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ» لا تدوسوه ولا تذرّوه فإنه يسوس «إِلَّا قَلِيلًا» جدا بأن تدوسوا وتذروا منه بقدر «مِمَّا تَأْكُلُونَ ٤٧» في كل سنة واحتفظوا بالباقي بسنبله واتركوه على حاله إلى السنين المجدبات المنوه بها في قوله «ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» السبع المخصبات. ولم يؤنث الضمير تفخيما لشأنهن «سَبْعٌ شِدادٌ» مرهقات للناس لأنهن ممحلات مجديات «يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ» أن يأكل الناس فيها ما ادخرتموه من السنين المخصبات ولم يتركوا منه «إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ٤٨» تحززونه للبذر فتبقونه في الحصن ليحفظ فلا يسقع ولا يطرأ عليه ما يفسده، والإحصان هو الاحراز بعينه، كما أن البذر هو البزر «ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» السبع الممحلات «عامٌ» نون للتعظيم لما فيه من الخير الجسيم، وهو كالسنة إلا أنه يستعمل فيما فيه الرخاء والخصب غالبا كما تستعمل السنة فيما فيه الشدة والجدب، يدل عليه قوله تعالى «فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ» بأمطار كثيرة نافعة «وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ٤٩» الأعناب والزيتون والسمسم وكل ما من شأنه أن يعصر كالبرتقال والليمون والرّمان، وهو كناية عن كثرة الخيرات فيها والبركات الأرضية والسماوية، وقل لهم إذا فعلوا ذلك نجوا من سرها، وإلا فالويل كل الويل لهم، فرجع الساقي فرحا مسرورا وأتحف الملك بذلك، فاستحسنه ورآه مصيبا واعتقد الحكمة
في المعبر لإرشاده لما يجب أن يعمل ويحتاط لذلك الأمر العصيب، واشتاق لرؤيته لينعم عليه جزاء لتعبيره هذا، وإراجة فكره من هول تلك الرؤيا، ومن التدبير المستقبل لحفظ رعيته من الهلاك، فالتفت لخدمه وذكر ما قص الله عنه بقوله عزّ قوله «وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ» من سجنه لأنظر اليه وأكافئه، فذهب منهم الاول بدليل قوله «فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ» لأن أل هنا للعهد والمعهود وهو الأول الذي ذهب اليه إجابة لدعوته إذ اشتاق لرؤيته وأخبره بما قال الملك «قالَ» يوسف للرسول لا أذهب معك الآن