مملكته الذين قصها عليهم هذه «أَضْغاثُ أَحْلامٍ» أخلاطها وأباطيلها، وأصل الضغث الحزمة من أنواع الحشيش والأحلام جمع حلم مما يرى في النوم من وسوسة الشيطان وحديث النفس الخبيثة كما بيناه في الآية ٥ المارة «وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ ٤٤» فقلق الملك وتشوش أكثر من ذي قبل لتوقف الناس عن معرفة تأويل رؤياه، وصار يتعجب منها خاصة قضية تغلب ضعاف البقر على السمان على عكس العادة، لأن القوي من كل دائما يتغلب على الضعيف، وصار يبحث عمن يعبرها له، فتذكر الساقي إذ ذاك حذاقة يوسف في التعبير وشدة اختصاصه به، قال تعالى «وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ» تذكر وتفطن «بَعْدَ أُمَّةٍ» مدة طويلة على تعبير رؤياه ورفيقه في السجن ووقوعها كما عبرها وصيّته له بأن يذكر سيده فيه «أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ» أيها الملك «فَأَرْسِلُونِ ٤٥» لآتيكم بمن يعبرها، ولذلك لم يقل أفتكم وذكر الضمير لعوده على الأمر الذي استصعبه الملك من الرؤيا، قالوا قال هذا بعد أن تمثل أمام الملك بالاستئذان وجثى على ركبتيه احتراما على حسب عادتهم، فأرسله الملك بعد أن فهم مما ذكر له من أحواله ومما قص عليه من أطواره، وأنه من سلالة ابراهيم عليه السلام وانه يتمكن من تعبير رؤياه فذهب ودخل السجن وقال «يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ» سماه صديقا لصدقه في تعبير رؤياه وغيرها، «أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ» الملك وأتباعه وأهل مملكته، لأن هذه الرؤيا شاعت لدى العامة ولم يقدر أحد على تعبيرها وصارت شغلهم الشاغل، فبينها لنا مما علمك ربك لنذكرها للملك وملائه «لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ٤٦» تأويلها، ويظهر لهم فضلك فتخلص من محنتك هذه، فسأله عن الرأي لأن له مدخلا في التعبير إذ المعبر يعبر لكل بحسبه وما هو عليه، فقال له الملك الأكبر، «قالَ» قل للملك ومن أهمه شأن هذه الرؤيا هي رؤيا مشؤومة وعاقبتها وخيمة، ولكن إذا أردتم أن تتخلصوا من هولها وتكونوا في مأمن من مغبتها «تَزْرَعُونَ» خبر بمعنى الأمر لأنه فسر البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين مخصبة، والبقرات العجاف