وقال إن الملك أمر بإخراجك من السجن بلا عودة، وطلب مقابلتك ليوليك أمره، فودع أهل السجن ودعا لهم بخير، ولما خرج أسفوا كلهم على فراقه وفرحوا بخروجه، قالوا ولما خرج كتب على باب السجن هذا بيت البلاء، وقبر الأحياء، وشماتة الأعداء، وتجربة الأصدقاء. ثم اغتسل خارجه ولبس ثيابه وتوجه نحو الملك، فلما قرب منه قال حسبي ربّي من دنياي، حسبي ربي من خلقه، عز جارك يا الله وجلّ ثناؤك ولا إله غيرك. ولما وقف بين يديه وأبصره قال اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بك من شره وشر غيره. وسلم عليه بالعربية، فقال له ما هذا اللسان؟ قال لسان عمي إسماعيل، ثم دعا له بالعبرانية، فقال له ما هذا اللسان؟ قال هذا لسان آبائي، قالوا وكان الملك يحسن سبعين لغة، فكلمه بها كلها، فأجابه بما يكلمه، وزاد عليه بالعبرية والعربية، فأعجب به غاية الإعجاب وقربه وأجلسه بجانبه، قالوا وكان خروجه من السجن بعد بلوغه الأربعين سنة من عمره، لأنه أدخل فيه بعد كمال الثالثة والثلاثين وبقي فيه سبع سنين على أصح الأقوال، وما قيل إنه لبث في السجن خمس سنين قبل أن أوصى ساقي الملك ليعرض أمره على ربه فليس بشيء، لأنه دخل معه وخرج بعد تعبير الرؤيا بثلاثة أيام، ولأنه حين خرج كان عمره أربعين سنة وإذا مشينا على هذا القيل يكون عمره إذ ذاك خمسا وأربعين سنة، ولم يقل به أحد. قال تعالى «فَلَمَّا كَلَّمَهُ» وشاهد منه ما لم يكن بالحسبان وما وقع منه حين مواجهة الملك من الاحترام اللائق به مما أعجب الملك ودهش منه كان بتعليم الله تعالى، لأن الملوك لا يبدأون بالكلام بل بالتحية والدعاء فقط، ثم يسكت أمامهم حتى يكون الملك البادئ ثم يجاب على قدر السؤال، فلما رآه الملك واقفا على هذه الأصول وزيادة لم يرها من غيره أقبل عليه وخاطبه بقوله كما حكى الله عنه «قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ» ذو مكانة عالية ومنزلة سامية «أَمِينٌ ٥٤» ذو مقام مؤتمن على أسرارنا وعلى خزائننا، قالوا وقال الملك يا يوسف أحب أن أسمع منك تأويل الرؤيا فقصّها كما رآها ثم قص له تأويلها كما ذكره أولا، فقال والله ما أخطأت منها شيئا، وإنها كانت عجبا وما سمعته منك أعجب، لأنك أخبرتني عن شيء رأيته أنا وأوّلته