اني قد غفرت لك ولهم أجمعين، أما ما قاله عطاء الخراساني من أن طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها إلى الشيوخ مستدلا بقول يوسف (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) إلخ، وقول يعقوب (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ) فهو غير مطّرد، على أن يوسف نفى عنهم اللوم فقط، ووكل أمر المغفرة إلى الله، ويعقوب وعدهم بالاستغفار، لأنه من خصائص الله، وهذا من أدب الرسل، وأن يوسف طلب المغفرة لهم من الله فقط، لأن الوقف في الآية على كلمة اليوم كما نوهنا به آنفا في الآية ٩٢ المارة، ولا عبرة بقول من قال إن الوقف على كلمة عليكم لأن الابتداء بكلمة اليوم يشمّ منه رائحة التحتم على الله بالمغفرة، ولا يتصور صدوره من مثل السيد يوسف والله تعالى لا يفرض عليه شيء بل هو الذي يفرض على خلقه إرادته الأنبياء فمن دونهم، قالوا ثم إن يوسف عليه السلام أرسل إلى أبيه مائتي راحلة وجهازا كثيرا مما يكفيه وأهله، وصار يترقب حضورهم، ثم ان أهل مصر صاروا ينظرون إليه بغير النظر الأول بعد أن تبين لهم أنه من آل إبراهيم حقيقة، وعظم بأعينهم، ووقر وقارا عظيما. بعد أن كان ينظر إليه بأنه عبد قيمته ثلاثون درهما، وقد اشتراه العزيز بمايتي درهم أي بعشرين دينارا وكانوا يحترمونه لعلمه وأدبه ومروءته وأخلاقه وكثرة عطفه على الفقراء ولطفه بالعامة وإكرامه الخاصّة بما هم أهله، لذلك تشرب حبه في قلوبهم لتلك المحاسن العالية والمكارم السامية. أما وقد علموا الآن أنه من بيت إبراهيم عليه السلام الذائع الصيت الذي يحبه أهل السماء والأرض بصورة لم يبق معها شك أو شبهة، وقد شاع هذا لدى أعاليهم وأدانيهم، فقد ازداد وقاره وتبجيله وتعظيمه وهيبته بأعينهم وقلوبهم، لأن الحاكم إذا كان عريقا في الحكم يعظّم في ثلاث جهات لأصالته ولتوليته ولعدله، وهناك خصلة رابعة هي كمال أخلاقه وعفته. قالوا ثم رحل السيد يعقوب وآله إلى مصر وهم كالجيش العظيم وتهيأ يوسف لاستقبالهم لما علم بخروجهم فخرج هو وفتيانه ووجهاء مصر وقادتها إلى فناء المدينة لملاقاتهم، وأخرج أهله وأولاده، وكان عدد المستقبلين أربعة آلاف نسمة عدا أعوام أهل المدينة وسوقتهم، وكان يوسف عليه السلام إذ ذاك رئيس الوزراء لأنه بعد أن ولاه الملك وزارة المالية ودخلت أعوام الغلاء