ولما سمع ما أجابوه به سكت واستحضر للبشارة مما ذكره، والضلال الذهاب عن طريق الصواب. قال تعالى «فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ» وهو يهوذا المار ذكره، لأنه هو الذي فاجأه بأن يوسف أكله الذئب وأعطاه ثوبه الملطخ بالدم المزيف، فأحب أن يقابل هذه البشارة بتلك الإساءة، قالوا وكان تقدم إخوته لهذه الغاية وأخذ معه سبعة أرغفة زادا، فوصل قبل أن يستوفي أكلها حلال ثمانين فرسخا، لشدة عدوه بالطريق بسائق فرحه وسروره، فبادر والده بالتحية والبشارة بحياة يوسف، وقال له هذا قميصه علامة على صحة قولي، ثم «أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً» بأن عادت له قوة النظر كما كانت، وانقلب ضعفه قوة ووهنه فطنة، وهذا من باب خرق العادة، وليس بدعا في هذا المقام، وقيل إنه انتعش فقري قلبه وازدادت حرارته الغريزية، فأوصل نوره إلى الدماغ وأداه إلى البصر، ومن هذا الباب استشفاء العشاق بما يهبب عليهم من جهة أرض المعشوق، قال:
ألا يا نسيم الصبح مالك كلما ... تقربت منا فاح نشرك طيبا
وأن هنا ليست بزائدة لأن الزائد عبث ولا عبث في القرآن لأنها أفادت تحسين اللفظ والتأكيد واستقامة وزن الكلام «قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ٩٦» أنتم ولا غيركم ثم قال لهم كيف تركتم يوسف قالوا هو ملك مصر قال ما أصنع الملك على أي دين هو يعامل الناس هناك قالوا على الإسلام قال الآن تمت النعمة فانبسط وظهر على وجهه السرور «قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا» التي واوقعناها معك ومع أخينا يوسف وأخيه ولا تؤنبنا على ما مضى «إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ ٩٧» معكم ومع الله «قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٩٨» لعباده التائبين أمثالكم وهو كثير المغفرة لعباده أجمع، واسع الرحمة، جدير بأن يعفو عنكم ولا يعاقبكم عما وقع منكم. قالوا إنه عليه السلام أخر طلب المغفرة لوقت السحر في ليلة الجمعة، لأنه أدعى للإجابة، وذكروا أنه قال اللهم اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عنه، واغفر لي ولأولادي مما أتوا إلى أخيهم وما أوقعوه فيه. فأوحى الله إليه