علو الدرجات بحيث يوقع الله تعالى الرضاء في قلب كل منهم على ما هو فيه من المنزلة، بحيث يرى نفسه راضية مطمئنة فيها فرحة مسرورة. وما قيل إن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي بسبب ما كان بينهم في الجاهلية من الضغائن فغير سديد، لأن الإسلام طهرهم فلم يبق في قلوبهم شيئا، على أن عليا كرم الله وجهه أسلم صغيرا ولم تستول عليه خصلة من خصال الجاهلية، مما يدل على عدم الوثوق بنزولها فيهم، وهم رضي الله عنهم أولى بمن ينزل فيهم القرآن ويشملهم مضمون آياته كهذه وغيرها من كل ما فيها خير، إلا أن الآية عامة في كل مؤمن ومؤمنة، وفيها ردّ على من بهت سيدنا عمر رضي الله عنه بأنه عزل السيد خالد ابن الوليد رضي الله عنه بسائق العداوة التي كانت بينهما حال الصغر، وهي أن خالدا رمى عمر على الأرض أو أنه خاف منه على الملك أن يتولاه هو فعزله عن أمارة الجيش في فتح الشام، وحاشا عمر من ذلك، على أن حادثة رميه كانت في الجاهلية فمحاها الإسلام إن كان لها من صحة، وحادثة عزله عن الإمارة ما هو إلا ليعلم الناس أن النصر من الله تعالى يجريه على يد من شاء من عباده لا على يد خالد فقط، لأن الناس صاروا يتقولون فتح خالد وفعل خالد ولولا
خالد لما كان كذا، فأراد أن يريهم خلاف ما وقر في صدورهم، فضلا عن أن عزله كان طبقا لمراد الله لأن فتح الشام كان مقدرا على عبيدة بن الجراح وكان ذلك فيكون عمله هذا كرامة له من الله تعالى إذ توسم ذلك فيه، وقال تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) الآية ٧٥ الآتية ولو كان في عزله شيء مما ذكره هؤلاء المعزولون عن رحمة الله لما بقي في الجيش ورضي أن يكون من جملة جنوده حتى ثم الفتح على يده، فتح الله له أبواب الجنة. قال تعالى في وصفهم أيضا «لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ» ولا تعب ولا إعياء كما في جنات الدنيا التي لا تخلو من ذلك، وأن لكل مؤمن جنّة لا يعادلها جنان الدنيا، لأن أقل حظ أقل رجل من أهل الجنة أكثر من ملك أكبر ملك من ملوك الدنيا «وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ ٤٨» أبدا وهذا النص قاطع بالخلود في الجنة، ثم صدع جل شأنه بالبشارة العظيمة بقوله «نَبِّئْ عِبادِي» يا سيد الرسل «أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ»