خزائن الغيب أما إذا كان جمع مفتح بكسر الميم فإنه تعالى جعل للغيب مفاتيح على طريق الاستعارة لأن المفاتيح يتوصل بها إلى ما في الخزائن المغلوقة بالأقفال فالذي يعلم تلك المفاتيح وكيفية استعمالها يمكنه أن يتوصل إلى الخزائن بها المدخرة فيها ولما كان جل جلاله عالما بجميع المعلومات عبر عن هذا المعنى بذلك وعليه يكون المعنى المراد أن العلم بالغيب عنده وحده لا يشاركه فيه أحد، أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مفاتيح الغيب خمسة وتلا قوله تعالى عنده علم الساعة إلخ الآية الأخيرة من سورة لقمان الآتية، وروي نحوه عن ابن مسعود، وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عمر مثله، والآية عامة تشمل بإطلاقها جميع ما غاب عن العباد من آجال وأحوال وعذاب وثواب وغير ذلك «لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» وحده إذ انفرد جل جلاله بعلمه «وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» من نبات وحيوان وجواهر ومعادن ومفاوز وقفار وقرى وأمصار وجزر وأنهار مما علمه البشر وما لا يعلمه «وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ» من جميع الأشجار والنبات «إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ» تسقط من كافة أصناف الحبوب مما يخصّ الإنسان والحيوان والطير والحوت «فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ» إلا يعلمها أيضا وسكت عما في ضياء الأرض لأن الذي يعلم ما في ظلماتها فهو لما في ضيائها أعلم وهو جل جلاله لا فرق عنده بين الظلمة والنور ويعلم تلك الورق قبل نباتها وبعده ومن هي رزقه وما يصير منها وما هو مقداره «وَلا رَطْبٍ» من ماء وحي «وَلا يابِسٍ» من أرض وميت أي أنه يعلم كل الأشياء لأنها إما أن تكون رطبة أو يابسة وهي إن كانت داخلة في قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب إلا أن ذلك على طريق الإجمال وهذا على طريق التفصيل والتفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس ولذلك عد من أبواب البديع في الكلام «إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ٥٩» ظاهر وكل شيء فيه ثابت مدون مما كان ومما سيكون قبل خلق السموات والأرض وإلى آخر الكون وما بعده في الآخرة «وَ» اعلموا أيها الناس أن ذلك الإله العظيم الموصوف بما ذكر من صفات الكمال والقدرة «هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ» يميتكم فيه لأن النوم وفاة لما بينها وبين الموت من المشاكلة في زوال الإحساس