وأدلة السمع تأبى ذلك، وهذه الآية رد على المشركين الذين يكلفون حضرة الرسول اتباع دينهم دين آبائهم، وقطع لأطماعهم الفارغة لأنها عبارة عن هوى أنفسهم وضلال صرف محض ولذلك نهى عنه رسوله صلّى الله عليه وسلم بقوله «قُلْ لا أَتَّبِعُ» في هذا ولا في طرد المؤمنين «أَهْواءَكُمْ» النفسية البحتة «قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً» إن أنا فعلت أو ملت لشيء من ذلك «وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ٥٦» بهداية ربي وفيها إشارة الى أنهم هم الضالون عن الهدى «قُلْ إِنِّي» فيما أنا عليه «عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» وبصيرة ظاهرة ناصعة لأني في طاعته وعبادته «وَكَذَّبْتُمْ بِهِ» على غير بيّنة تبعا لهدى أنفسكم فأشركتم به غيره ما لا يستحق العبادة وإذا دمتم على هذه ولم تقلعوا عنه فأنذركم عذاب الله فقالوا له ائتنا بما تعدنا به من العذاب إن كنت صادقا لنصدقك فأوحى الله إليه أن يقول لهم «ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ» من العذاب ولا أقدر على إنزاله «إِنِ الْحُكْمُ» في إنزاله حالا أو تأخيره لأجل معلوم عنده لا يكون «إِلَّا لِلَّهِ» وحده وهو «يَقُصُّ الْحَقَّ» يبرمه وقرىء يقض والمعنى واحد لأن القضاء قول مبرم وهذه من القراءات الجائزة إذ لا تبديل فيها بالمعنى واللفظ عبارة عن تصحيف في النقط لأن الصاد أخو الضاد وقد ذكرنا غير مرة أن القراءة الغير جائزة وهي التي فيها تبديل كلمة أو حرف مباين أو زيادة أو نقص شيء من ذلك «وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ٥٧» بين الحق والباطل إذ لا يقع في حكمه جور ولا حيف، يا أكرم الرسل إذا ألح عليك قومك بطلب إنزال العذاب «قُلْ» لهم «لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ» لأوقعته عليكم حالا وما أمهلتكم به وقد رأيت منكم ما رأيت يدل على هذا قوله «لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» لأني بشر وقد نفد صبري عليكم لولا أن الله يأمرني بالصبر ولأوقعته عليكم غضبا لله الذي قابلتم نعمه بالجحود لا تشفيا لنفسي ولكنه بيده وهو صبور لا يستفزه الغضب وهو حليم لا يعجل بالعقوبة «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ٥٨» أمثالكم هل تعجيل العذاب أصلح لهم أو تأخيره وهو أعلم بالوقت والمحل الذي ينزله عليكم بهما ونوع العذاب الذي تستحقونه
وما أنتم عليه من الحال «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ» بفتح الميم جمع مفتح اي المخزن وعليه يكون المعنى