والكلبي ما بمعناه، وهذا أولى من قول من قال إن هذه الآيات نزلت في سلمان وجماعة من فقراء المسلمين لأن سلمان رضي الله عنه أسلم بالمدينة وهذه السورة مكية وليست هذه الآيات من
المستثنيات منها وأولى من قول من قال إنها نزلت في المؤلفة قلوبهم المنوه بهم في قلوله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) الآية ٤٩ من سورة الكهف الآتية وهي مدنية وكان إسلام هؤلاء بعد فتح مكة وهذه الآيات التي نحن بصددها نزلت قبل الهجرة في مكة وبينهما بعد عظيم وفرق كثير قال عكرمة فكان صلّى الله عليه وسلم إذا رأى الذين نهى عن طردهم بدأهم بالسلام امتثالا لأمر الله له بذلك وقيل إن الآية الأخيرة أي وإذا جاءك إلخ نزلت في عمر رضي الله عنه لأنه قيل إنه قال لحضرة الرسول حينما طلب منه المشركون طرد أولئك الأبرار لو أجبتهم لما قالوا لعل الله يأتي بهم (وهذا الذي وقع في نفس رسول الله المذكور بالحديث المروي عن سعد بن أبي وقاص) ولم يعلم المضرة الناتجة عن كلامه هذا وعدم رضاء الله بها ثم إنه صار يبكي وقال معتذرا ما أردت إلا خيرا ولكن المقرر أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب فالقول بإطلاق هذه الآية على كل مؤمن أولى وأنسب بالمقام ويدخل فيها السيد عمر وغيره دخولا أوليا «وَكَذلِكَ» مثل ما قصصنا لك هذا وبيناه «نُفَصِّلُ الْآياتِ» بذكر أوصاف المطيعين والعاصين «وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ٥٥» الذين صاروا إلى النار يوم القيامة ليظهر لك الحق الذي أنت عليه وأصحابك والبطل الذي عليه أعداؤك، وقرئ الفعل بالياء لأن السبيل تذكر وتؤنث قال تعالى (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا) الآية ١٤٥ من الأعراف المارة في ج ١ وقال تعالى (يَبْغُونَها عِوَجاً) الآية ٤٤ منها فالتذكير على لغة تميم والتأنيث على لغة الحجاز وهو بالرفع كأنه قال ليظهر الحق وليستبين سبيل إلخ وحذف المعطوف عليه من المحسنات البديعة وقرىء بنصب سبيل على المفعولية على أن يعود الفاعل لحضرة الرسول ويكون المعنى سايرهم حتى تستوضح طريقهم وإذ ذاك تعاملهم على ما يليق بهم في الدنيا ومرجعهم إلينا في الآخرة فنعاملهم على ما عاشوا عليه «قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» من الأوثان كافة، لأن أدلة العقل