لأنها لا بد وأن تكون بجبهة من أطرافها بعدت أو قربت، لذلك فلا دليل فيها لمن زعم أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب الذين في مكة وجوارها، وإنما سميت أما لأنها قبلة أهل الأرض أجمع فعلا لأمة الإجابة وبالقوة لغيرهم لأن الكل أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، وهذا تأييد للرد على اليهود بأنه إذا كان الله تعالى أنزل التوراة على موسى ولا سبيل لإنكارها، فلم لا يجوز إنزال القرآن على محمد وكلاهما مرسل من الله؟ وفي إنكارهم إنزال القرآن إنكار الإنجيل أيضا لأنهم ينفون نزول شيء بعد التوراة من قبل الله على أحد من رسله وقد كفروا بعيسى عليه السلام فضلا عن إنكار كتابه، قاتلهم الله وغضب عليهم ولعنهم في الدنيا والآخرة. قال تعالى «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» البعث بعد الموت والحساب والجزاء والثواب والعقاب «يُؤْمِنُونَ بِهِ» أي القرآن لأن أصل الدين الخوف من العاقبة فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن بالله «وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ٩٤» خص الصلاة لأنها عماد الدين وعلم الإيمان، فمن حافظ عليها فهو على غيرها أحفظ، وهذه الآية المدنية الرابعة قال تعالى «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً» كهؤلاء اليهود المنكرين نزول القرآن والإنجيل على محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام، ومن هؤلاء الظالمين مالك بن الصيف وأضرابه من اليهود «أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ» من الله بشرع وحاشا الله القائل
«وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ» كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي الذين ادعيا النبوة في زمنه صلّى الله عليه وسلم وعموم الآية يشمل كل من تجرأ على ادعاء النبوة بعده أيضا إلى يوم القيامة لأن الله تعالى ختم النّبيين به فكل ادعاء وقع أو يقع في هذا الشأن فهو زور وبهتان وإفك «وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ» أي أنه قادر على مثل ذلك، وهؤلاء كالذين قالوا كذبا (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) الآية ٣١ من الأنفال في ج ٣، ومثله الطاعن في نبوته صلّى الله عليه وسلم كعبد الله بن أبي سرح الذي أملى عليه صلّى الله عليه وسلم (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) إلى قوله (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) الآية ١٤ من سورة المؤمنين الآتية، فعجب من ذلك وقال إنه وقع في قلبه لزيادة تفكره فيها (فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فأجراها على لسانه فقال له صلّى الله عليه وسلم اكتبها فهكذا نزلت، فشك وقال إن كان محمد صادقا