للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أوحي إلي كما أوحي إليه، وإن كان كاذبا فقد قلت كما قال، فارتد ولحق بمكة.

وهذه الحادثة وقعت في المدينة بدليل قوله املى وقوله صلّى الله عليه وسلم هكذا نزلت، أي قبل لا ان نزولها بمكة، بل كان نزولها بالمدينة قبل إملائها عليه، وإلا لتلاها حضرة الرسول أولا، ثم أملاها عليه دفعة واحدة، ويؤكد هذا قوله ولحق بمكة، فيكون هذا سببا لنزول هذه الآية، وذلك أن مسيلمة بن حبيب من بني حنيفة الملقب بالكذاب ادعى النبوة باليمامة وزعم أن الله أوحى إليه، وكان صاحب نيرجات وكهانة، والأسود العنسي عبهلة بن كعب ذو الخمار ادعى النبوة باليمن وتبعه جماعة من قومه، وأن النبي صلّى الله عليه وسلم أرسل إليهما وأمر بقتلهما فقتل الأسود فيروز الديلمي قبل وفات النبي صلّى الله عليه وسلم بيومين، وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه بقتله قبل ورود خبره، وقال لهم فاز فيروز، وأما مسيلمة فقتله وحسني قاتل حمزة بن عبد المطلب في خلافة أبي بكر رضي الله عنهم، وكان يقول قتلت خير الناس وأنا كافر يعني حمرة، وقتلت شرّ الناس وأنا مؤمن يعني مسيلمة، وكل هذا يؤيد أن هذه الآية مدنية كما ذكرنا أول السورة وهو الصحيح، لأن هذه الحوادث أي قول مالك ابن الصيفي وادعاء مسيلمة والأسود كلها وقعت في المدينة، ومن قال إن هذه الآية نزلت بمكة لم يحقق عن تاريخ هذه الحوادث ومحلها، ولم يقف على أن هذه الآية مستثناة من هذه السورة فقال إنها مكية، ولما لم ير بدا من نفي أسباب نزولها قال إنها من الإخبار بالغيب، وليس بشيء، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سوارين من ذهب، فكبرا علي وأهمّاني، فأوحى الله إلي ان انفخهما فنفختهما فطارا، (وفي رواية انفحهما بالحاء لا بالخاء من النفخ وهو الرمي والدفع والرمح تقول نفحت الدابة برجلها أي رمحت ورفست، والمعنى قريب من الأول) فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة، والمعنى لا أحد أكثر ظلما ولا أعظم خطأ ولا أجهل فعلا ولا أقل عقلا ممن اختلق شيئا من الأشياء الثلاثة المذكورة في هذه الآية، وهي عامة في كل من يزعم هذا الزعم إلى يوم القيامة، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، قال تعالى «وَلَوْ تَرى» يا سيد الرسل «إِذِ الظَّالِمُونَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>